موت الفكرة أم فكرة الموت؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

موت الفكرة أم فكرة الموت؟

  نشر في 10 نونبر 2022 .

إن كانت قيمة الفرد بما يحويه عقله من أفكار ، فإن الحياة بأسرها تقوم على فكرة ، فإن ذبلت تلك الفكرة فى أذهان الأحياء ، صاروا أشباحاً ، مجوفين من الداخل ، ضلوا فى قفار أنفسهم ، وقد ضاع زادهم ، وأصبح مصيرهم مجهولاً .

فبموت الفكرة ، تضيع المركزية ، وتصبح الدوائر فارغة المحتوى والمضمون ، وتصير الحياة كما وصفها القرآن :

( وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) ؛ مما يشعر الإنسان بحالة من الضياع لن تشفيه الشهوات وإن غرق فيها ، ولن تنقذه الملذات وإن اتخذ إليها كل سبيل ، لأن روحه تسقط حبيسة فى غياهب الظلام مقيدة بقيود غليظة من المادة ، لا تستطيع الإفلات منها للنور ، فتذبل ثم تموت ، فيموت صاحبها وإن كان على قيد الحياة ، وربما يلجأ فى النهاية لإنهاء حياته وسط هذه الأجواء المعتمة .

وقد كانت الفكرة واضحة منذ البداية ، ولم يتركنا الله لأهوائنا ، حيث قال فى كتابه العزيز { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية} ، وفكرة الحق على النقيض من فكرة العبث التى ينتهجها أولئك الذين ظلموا أنفسهم ، وأقروها متوهمين أن الله خلق الخلق ثم تركهم ، وكأنه-حاشاه- يتسلى ، وأن الحياة بلا ضوابط وأنه لا رجوع ، وأن الحياة مفتوحة على مصراعيها لمن أراد أن يعبث أو يفسد دونما عقاب فى حياة أخرى .

وفكرة الحق تتضمن العدل ، فلا جور ولا ظلم للعباد فقد أوضح سبحانه وتعالى لهم المنهج وتواصل معهم عن طريق رسله ، وتقتضى الحساب على الأعمال التى يقترفها البشر ، وتشير إلى

البعث من الأجساد للوقوف بين يدى الله ، فلا مجال للعبث ، وقد أشارت الآيات فى مواضع أخرى لنفس المسألة ، فنجد قول الله تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } ، وقوله تعالى { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } .

ولما كانت لكل فكرة متعلقات ، فقد تطرقت الآيات لما يتعلق بهذه الفكرة فى قوله تعالى { وإلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب} ، فالإقرار بوحدانية الخالق ، وأنه تعالى وحده الذى يستحق العبادة ، وعمارة الأرض عن طريق إستغلال الثروات المودعة فيها وسبل الرزق التى وضعها الله لعباده حتى تستقيم حياتهم ، وتجنب الإفساد فيها ، وإرساء قواعد العدل وتجنب الظلم والجور فى الأرض التى خلقنا منها ، وإليها مآلنا ، والحرص على الإتصال بالخالق فهو الملاذ والملجأ -لهى لوازم للفكرة التى قامت عليها هذه الحياة .

وحيث أن فكرة الحق على النقيض من العبثية ، فقد اقتضت أيضا التكليف ، والإختبار والإبتلاء ، والثواب والعقاب ، ولنتأمل بعض الآيات التى تطرقت لهذه المسائل :

- { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }

- { ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين }

وإذا كان هناك ألما فى التكليف ، وكانت الحياة مليئة بالآلام والشرور ، فهذا لجزيل الثواب فى الآخرة ، ولتعلم أنه مهما بلغت تلك الآلام فإنها لن تساوى من نعيم الآخرة شيئاً ، على أن مصدر هذه الآلام هى البشر أنفسهم كونهم يمتلكون الإختيار ، فهى غير منسوبة لله ، وكونه سمح بها ، فهذا ليختبر الخبيث من الطيب ، ويفصل بين من يستحق الثواب ومن يستحق العقاب فى الآخرة .

ولو أن الله تدخل لينهى تلك الآلام أو الشرور ، فما فائدة الإختبار ، وما الحكمة من السنن الكونية التى وضعها فى خلقه ، ونقض هذه السنن يخلق نوعاً من العبث ، وكل الإعتراضات وتوجيه اللوم ضد الاله فهى مردودة على أصحابها ، فالتكليف والعبادة جعلهما الله لمصلحة البشر ، وهو غنى عنها ، فالروح لن تصفى إلا بالإتصال بخالقها ، ولن تهنأ إلا بالقرب منه ، وهو القائل { ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } .

والله جل فى علاه يعلم ما يشفى الروح ، وما يكون سبباً فى علتها ، فالتواصل معه رحمة وشفاء لما فى الصدور ، ويعلم ما تضمر النفوس حيث يقول { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .


  • 2

   نشر في 10 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا