رحلة من نوعٍ آخر
الخيال قد يسافر بنا أحياناً إلي ما هو أسوء بكثير من الواقع
نشر في 28 شتنبر 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
ربما كُتب عليّ أن أخلق في مثل هذا الزمان، وكُلّما تقدمت في العمر لعنتُ زماني ، فليس هذا العصر المثالي للإزدهار ، قلّت البركة، كثرت الجرائم والحروب، وضاعت الفطرة وتشوهت معالمها حتي أصبحت غريبة!
بتُّ ليلتي ناقمة علي زماني ومكاني فإذا بنفسي تسافر عبر الأزمنة مئات السنوات للأمام لتجد نفسها تستيقظ في آخر الزمان!
يبدو أنني ما زلت احتفظ بروحي المرحة، أمسكت بهاتفي الخلوي لأنسق رحلة مع بعض الأصدقاء..لا أستطيع تحديد الوجهة اللتي سلكناها سويا ولكن يبدو أنها مدينة.. ربما محافظة تنعم بالعديد من المتنزهات والمعالم السياحية في عصرنا الحالي..وبالفعل ذهبت إلي هناك برفقة الأصدقاء..أخذت أكتب في دفتر يومياتي ما أعددته من خطط لقضاء يومٍ رائع ..وما إن وصلنا حتي هبطت من ركبي متأهبة، وحينما لمست قدماي الأرض وقع نظري علي أناس يهرولون هربا!
أخذت أفتش بنظراتي عن المعالم..المتنزهات..البحار ولكن لاشئ ..اختفي كل شئ!!
وهنا ظهر مرشد لنا ليدلنا علي الطريق ويضئ عتمة حيرتنا وتخبطنا..كانت امرأة شابة منتقبة في رداء أسود اللون وتحمل بيديها مجموعة من الأوراق تقبض عليها بشدة!!
حدثتنا عمّا حل بالمدينة من الفتن قائلة : " كما تعلمون نحن في نهاية الزمان...الساعة علي وشك القيام وبدأت العلامات الكبري في الظهور واحدة تلو الأخري ، بدأت الفتن تفتك بالمدينة الجميلة حتي أخفت معالمها ،فالمسيخ الدجال وأعوانه ينشرون الفساد في الأرض ويفتكون بكل من يخالف شريعتهم" أوقف حديثها صوت الصرخات من حولنا إنها تزداد حدة ..من الواضح أنهم بالجوار.
أخذتنا وهربت بنا بعيدا محاولةً توفير مكان آمن لنا ..ولكن إلي متي سيظل آمنا!؟
تابعت حديثها" إنهم يتجولون في كل مكان بين أيديهم العديد من المعجزات ..يرهبون النفوس بما أوتوا من قوة جبارة.. معهم أسلحة متنوعة وآلات علي هيئة عناكب عملاقة تدمر ماتدهسه تحتها من معمار ..فتلك بيوت دمرت وتلك أخري تنتظر الدمار..في هذه الأيام إبقاء المرء علي حياته ولو ليوم واحد يعدٌّ إنجازا عظيما ..والإنجاز الأعظم هو إبقائه علي دينه حتي يلقي حتفه مؤمنا موحدا"
" كم من الصعب أن يتمسك المسلم بإسلامه لمدة ساعة زمنية، فربما وجدوه في طريق من الطرق وأغرقوه بحججهم المقنعة والمنطقية فيبدل دينه وينطق بالباطل ويخلوا سبيله اليوم ليحيا حتي يلقي حتفه _ربما في اليوم الذي يليه_ إثر عمليات الدمار الشاملة اللتي يقومون بها"
"إنها الفتنة ...وما أحمله بين يديّ من أوراق ما هي إلا بعض كلمات سطرتها من كلمات الحق _وكم أصبح الحق غريبا هذه الأيام_ تذكرة بمواصفات المسيخ الدجال وهيئته وتذكرة بأنه لا إله إلا الله ، وبعض الأذكار التحصينية للإستعاذة منه ومن فتنته"
ثم أشارت بيدها إلي طريق طويل "هذا الطريق آمن ، لم يمسه الشر بعد ، ولكن هذا لا يمنع أنه قد يتغير الحال بعد قليل ، دعونا نسلك هذا الطريق ..إنهم يقتربون"
صرت أمشي بجانبها مسرعة والخوف يأكل ما بداخلي من أنفاس ..أصبحت أردد الشهادتين ولا أملّ فالربما تقبض روحي في أي وقت ..هل تكره الموت؟ هل أدلك علي ما هو أسوء من الموت؟ ..الخوف من الموت وترقبه في كل لحظة بل والخوف من الموت علي الضلال.. فأي حياة تلك؟.. تذكرت ما ورد عن النبي _صلي الله عليه وسلم_ من مرور الإنسان علي قبر أخيه وتمنيه أن يكون مكانه ...بالفعل الموت علي الإسلام هي النجاة الوحيدة في هذا العصر.
انتبهت فإذا بالقوم قد سبقوا ، فأسرعت حتي ألحق بهم وما أن اقتربت بجوار السيدة ذات الرداء الأسود حتي شعرت ببعض الطمأنينة، لا أدري هل هي روحها الساكنة الطيبة الصابرة المؤمنة أم ما تحمله تحت ذراعيها من أوراق الحق والنور..تلاقت عيناي بعيون الأخلاء..مالي أراها شاردة.. أين ذهب الأمان الذي كنت أشعر فيه بجواركم؟ ..لا شئ ..
إنها الفتنة ..نفسي نفسي..كل في ملكوته سارح وعن سبل نجاته باحث.
أستيقظت من نومي أخيرا لأجد نفسي في غرفتي الدافئة ، كل شئ ينعم بالسكون ..لا بشر ..لا فتن متحركة ..أدركت أنني لازلت في ٢٠٢٠ !!
حمدت الله وأستعذت به من فتنة المسيخ الدجال ومن فتن نهاية الزمان، وتذكرت ما ورد( عَنِ الزُّبيرِ بنِ عَدِيٍّ قال: أتَيْنا أنسَ بنَ مالكٍ - رضي اللهُ عنه - فشَكوْنا إليه ما نَلْقَى مِنَ الحجَّاجِ. فقَالَ: «اصْبروا فإنَّه لا يأتي عليْكم زَمَانٌ إلَّا والَّذي بعدَه شَرٌّ مِنْه حتَّى تلْقَوا ربَّكُم»، سَمعْتُه مِنْ نبِيِّكُمْ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ). رَواه البُّخاريُّ
نعم نحن خلقنا في بعض أزمان الشرور والفتن ولكنها أهون بكثير مما سيشهده خلفاؤنا ..ففي عصرنا هذا يسعي المرء إلي الفتنة بنفسه ويسلك مسالكها بل ويمتلك رفاهية إختيار فتنته !!
لكن في عصور متأخرة تنصبُّ الفتن علي الرؤوس صبّا وتختار الفتنة صاحبها وتسعي خلفه ويفر منها مهرولا لعلها تنقضي عنه وتبحث عن غيره قبل أن تتعثر قدماه ويخر هالكا .
فاللهم احفظنا بحفظك من شرور وفتن تلك الأزمنة وفتن هذا الزمان ، وأكتب لنا ميتةً علي دينك.
-
Hadeir Saidحياتي قطر سريع قصير علي خط القاهرة - بورسعيد