صناعة التطرف(الديني) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

صناعة التطرف(الديني)

  نشر في 05 شتنبر 2019 .

"داعش"، "أبو بكر البغدادي"، "جبهة النصرة"، "أبو محمد الجولاني"، أسماءٌ شغلت الرأي العام لا العربي فحسب بل العالمي منذ عام 2014م، من جهة تمّ التعامل مع تلك الأسماء وكأنها شيءٌ مستحيل وغريب وجديد ومن جهةٍ أخرى ظهرت تفسيرات وتحليلات عديدة تقترن بالمؤامرة على الإسلام والأنظمة السياسية والمُجتمعات العربية، ودور المُخابرات وأجهزة الدول في نشأة "تنظيم داعش وأشباهه".. مع كل ذلك اللغط والإزدحام والفوضى في التحليلات والتنبؤات، يأتي السؤال؛ ما هي الحقيقة ؟؟

لمحة تاريخية

بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الصهيوني في حرب حزيران عام 1967م، وما نتج عن تلك الهزيمة من شعور عام إجتاح الشعوب العربية بالصدمة والخزي والسخط، وفي بداية السبعينيات ظهرت "جماعات" تتخذ من الشريعة الاسلامية مَنهجًا، وتعزو "ضعف العرب" ونكستهم لإبتعاد الأنظمة والشعوب العربية عن الإسلام والشريعة، ففي مصر ظهرت "الجماعة الاسلامية" التي أسسها شخص يدعى ناجح إبراهيم، وتولى قيادتها الشيخ عمر عبد الرحمن(شيخ أزهريّ)، وكانت "جماعة الإخوان المسلمين" التي أسسها سيد قطب قد نشأت منذ الثلاثينيات ولكنها تعرضت للقمع والإضطهاد من قبل الأنظمة العربية، جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة سياسية/إسلامية.. أما "الجماعة الاسلامية الجديدة" فهي جهادية، تطمح للحكم وتطبيق الشريعة بقوة السلاح، لا بالسياسة والإنتخابات وما إلى ذلك..

لاقت تلك الجماعة والمُتأثرين بها في شتّى الدول العربية رواجاً وقبولًا بل وإنضمامًا إليها من قبل الشباب.. كون الأنظمة التي لم تطبق الشريعة والدين، خسرت الحرب وبالتالي فقدت أهليّتها وصدقت "تحليلات" أمراء وشيوخ تلك الجماعات، نظّر أولئك الشيوخ لمُجتمع "فاضل" يُشبه مشاهد تاريخية لإنتصارات كبيرة وفتوحات عظيمة.. وبيئةٍ إجتماعيةٍ جميلة، لا تجد فيها مظلومًا ولا فقيرًا، وخليفةً من عامة الشعب ينامُ في المسجد تحت ظلّ الأشجار  وبطنهُ فارغٌ حتى تمتلئ بطون المسلمين.. هكذا "فُتن" الجيل "المهزوم"، وتعلّق بتلك الصوّر، وصار لا يطمح الّا إلى تحقيق تلك الأحلام الوردية، عن طريق الرجوع لتلك العصور الغابرة التي لم توجد إلا في صفحات الكتب المنسية على رفوف المكتبات..

من هُنا بدأت الحكاية

في عام 1979م، دخلت القوات السوفيتية الأراضي الأفغانية، لحماية النظام القائم هُناك وقمع المُظاهرات وإخماد التمرد على حكومة أفغانية تابعة للسوفييت(الشيوعيين).

دول كأمريكا والسعودية وإيران والصين، قامت بدعم التمرد في أفغانستان، قد يكون سبب ذلك الدعم هو العداء المُستمر ما بين الأنظمة بإختلاف إيديلوجياتها ومصالحها، وفي بداية الثمانينيات بدأ الدعم الأمريكي/السعودي/العربي للتمرد الأفغاني يتخذ طابعاً عسكريًا.. لا، لم يتم إرسال جيوش لنُصرة الأفغان، بل تمّ إطلاق "الدعوة للجهاد في افغانستان" لحشد وإرسال الشباب العربي(السعودي خاصةً) لخوض غمار المعارك التي بدت وكأنها دعوة للفتح الإسلامي الغائب منذ قرون !!

تمّ الترويج للجهاد الأفغاني إعلاميًا/وميدانيًا، وبأبواق حكومية عربية، فقام الإعلاميون والكُتاب ورجال الدين بالتنظير والدعوة لـ "الجهاد"، كرئيس هيئة كبار العلماء المسلمين الشيخ عبد العزيز بن باز الذي أفتى بوجوب نُصرة المسلمين في مواجهة الشيوعيين "الملاحدة"، وما زالت فتوى الشيخ بن باز شاهدةً على ذلك في موقع الشيخ الرسمي على الإنترنت بعنوان: "الجهاد في أفغانستان وسُبل دعمه؟؟"

لبّى الشباب بحماستهم ورغبتهم في إعادة أمجاد الأجداد الفاتحين، دعوة "الجهاد الأفغاني" وخرجوا مُشيّعين بالورود ودعاء النصر والتمكين..! ومن أولئك الشباب كان أسامة بن لادن، الشاب الذي تخرج من جامعة الملك سعود بتخصص إدارة الأعمال والذي كان يعمل في شركة والده، خرج من وطنه، ليلتحق بالمُجاهدين وبعد سنواتٍ قليلة يُؤسس تنظيم القاعدة بالتحديد في عام 1989م، بعد أشهر قليلة من خروج السوفييت من افغانستان... وقد تمّ سحب الجنسية السعودية من أسامه عام 1995م.

ومن بين الشباب الذين لبّوا نداء الجهاد، "أحمد فضيل نزال الخلايلة" و"عصام طاهر البرقاوي"، وغيرهم من "الأردنيين الأفغان" الذين عادوا في بداية التسعينيات وقاموا بتأسيس تنظيم "بيعة الإمام" أو "جماعة التوحيد والجهاد"  في الأردن، بقيادة مُنظّر الفكر الجهادي "عصام البرقاوي" الذي كان يُعرف بإسم "أبو محمد المقدسي"، تم سجن أعضاء "بيعة الإمام" في عام 1996م، بتهم تتعلق بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية وتقويض نظام الحكم في المملكة الأردنية.. اجتمع أحمد فضيل (أبو مصعب الزرقاوي) بالمقدسي (المُعلم) في "سجن جويدة" وأمضيا سنين الحكم الأربعة معاً.. ففي عام 1999م، تم العفو عن جميع السجناء في الأردن بمناسبة جلوس الملك عبدالله الثاني على العرش، وغادر الزرقاوي لإفغانستان لقيادة مُعسكرات مُسلحي القاعدة (في أثناء الحرب الأهلية الأفغانية التي اشتعلت رأسا بعد خروج السوفييت ما بين الجماعات الجهادية).

وبعد سقوط النظام العراقي في عام 2003م، ومع ظهور الجماعات المُسلحة (المُقاومة للغزو الأمريكي)، أسس أبو مصعب الزرقاوي "جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين" كإمتداد للقاعدة الرئيسية بقيادة بن لادن، وأدى الإختلاف "القائم على كلكم طواغيت إلا نحن" ما بين الجماعات المسلحة في العراق لحدوث الإقتتال الطائفي بين السنة والشيعة الذي بدأ في فبراير من عام 2006، وأستمر لسنوات حاصدًا حيوات مئات بل ملايين المدنيين العراقيين، سحبت الحكومة الأردنية الجنسية من أبو مصعب في العام 2004م، وفي تلك الأثناء كان"إبراهيم عواد البدري"، الشاب العراقي الحاصل على شهادة البكالوريوس بتخصص علم التوحيد من جامعة بغداد، -وقد كان يرغب في دراسة القانون لولا تحصيله الدراسي المُنخفض-، كان إبراهيم البدري مسجونا في البصرة جنوب العراق في سجن "بوكا"، مع مئات آخرين بتهم تتعلق بمقاومة الغزو الأمريكي.. وكان السجن يضم جنود الجيش العراقي (الصدامي) وبعثيين وغيرهم، تم الإفراج عن البدري بعد سبعة أشهر لعدم كفاية الأدلة ضده.. وأنضم للقاعدة في بلاد الرافدين وقام بالتخطيط لعمليات تستهدف كل شيء إلا جماعة القاعدة...

إبراهيم البدري سيُصبح بعد سنوات قليلة "أبو بكر البغدادي" وسيعتلي منبر مسجد الموصل في يوليو/تموز 2014م، بعد إتمام "فتح نينوى"، ليُعلن عن قيام دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، ومعه رفاقه في سجن "بوكا"...!

في إحدى ضواحي دمشق كان ابن "الداعية السلفي زهران علوش"، "محمد زهران" الشاب الذي يطمح لدراسة علوم الشريعة السلفية، اقتداءًا بوالده، غادر محمد سوريا للسعودية وعاد ليُسجن في عام 2009م، ليُطلق سراحه بسبب عفو رئاسي في عام 2011م، ومع بداية الأزمة السورية وبالتحديد في شهر أيار/مايو من عام 2011م، أسس محمد ما بات يُعرف فيما بعد بـ "جيش الإسلام" الذي أشارت تقارير عديدة بأن الداعم الرئيسي لهذا التنظيم هو "النظام السعودي" الذي اُعطي الضوء الأخضر من قبل الإدراة الامريكية برئاسة أوباما لدعم ما كانت تُسمى بـ "المُعارضة السورية المُعتدلة".. وظهرت في أعقاب الأزمة السورية تنظميات كـ "جبهة النصرة"، وأحرار الشام" و"فيلق الرحمن" و"جيش خالد بن الوليد"، و"الجيش السوري الحر"... الخ، وبدأ الإقتتال الطائفي والمناطقي مع وجود حزب الله والحرس الثوري الإيراني(الشيعة) الداعمين للنظام السوري(العلوي وفي روايةٍ أخرى النُصيري).. وكأن أفغانستان والعراق عادتا (وهما مُستمرتيّن أصلًا) في سوريا..!!

ناقوس خطر

إغماض العينين عن رؤية شيء ما، لا يعني إطلاقا عدم وجود ذلك الشيء!!

أعلم كم في كلماتي هذه من سذاجة..!

ولكن يبدو بأننا اعتدنا "الإغماض"، الإرهاب أو التطرف ليس أمرًا دخيلًا أو طارئًا بقدر ما هو ثقافة مُتجذرة ولها الكثير من المُعلمين والمُريدين.

"مُكافحة الإرهاب" هي مسؤولية جماعية من رأس النظام الحاكم لأصغر مواطن في أيّ دولة خصوصًا في شرقنا الأوسط المُلتهب بنيران الحروب والأزمات،

وبلدي الأردن ليس عَصيًا كما يدّعي البعض.. بل مُستهدفا كبقية الدول.

لنتخلى عن الإنكار و"تطمين النفس" ونحاول رؤية الأمور بوضوح، شهدائنا منذ تفجيرات عمّان إلى أحداث الـ 2016م، لأحداث السلط مُؤخرًا، ليسوا أرقاما وإحصاءات ولا مادة رثاء وإبتذال على دموع احبائهم، هُم ضحايا فكر يُدّرس في المدارس والجامعات ويُلقى في الدروس والخطب الدينية، هم ضحايا بيئة عائلية/إجتماعية قمعيّة تُحفز العصبيّة(العشائرية/الدينية)، ورفض المُختلف، ومجتمع لا يقبل الّا "المثالي..المعصوم"، وبلاد يُعشش فيها الفساد ويحكمها الفاسدون، ولا أنسى حديث أحد الذين إستضافهم التلفزيون الأردني بعد أحداث السلط بيوم وهو رجل دين تحدث بإسهاب عن سماحة الاسلام وبأن الإرهابيين خوراج والخ، قال:" بأن الأردن سيبقى يُقدّم ابنائه وشبابه فداء لترابه.. تسائلت: لماذا عليهم أن يموتوا هكذا.. فقط لأن أحدهم يُؤمن بأنهم(رجال الأمن) كُفار.. طواغيت.. !!"

"الإرهابي" قبل أن يفعل جريمته، كان مثل أي شخص يُدينه.. و"الارهابيين" ضحايا قبل كل شيء، ضحايا واقع عبثي ومأزوم ومُستقبل مجهول.



  • هاشم عبدالله الزبن
    أنا واحد من مليارات العابرين، وجودي أثر أتركه ورائي، وأنا أتقدمُ رُغمًا عني نحو فنائي الحتميّ/القسريّ. سؤالي الأعظم: لماذا؟
   نشر في 05 شتنبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا