وسط مدينة ضخمة، لا يهدأ فيها الصخب والازدحام ليل نهار. النشاط والحيوية يملآن أزقتها. يزورها من كل مكان أشخاص لم تجلبهم فقط نوعية المنتوجات اليدوية التي يصنعها سكان هذه المدينة، بل حتى جمال وأصالة بناياتها القديمة.
في زاوية من أزقة هذه المدينة كان يعيش شيخ تحكي كل واحدة من تجاعيد وجهه تجربة من حياته، والنور المتدفق من بريق عينيه يترجم مدى صفا قلبه. الناظر إليه قد يستصغره لتواضعه، والجالس له لا يمل حكمته.
منزله كان فوق دكانه الصغير، مصدرُ رزقه وأربعة من أبناءه، حيث كان وجهة الكثيرين من الزبائن، للأحذية التي يصنعونها، فقد كانت تعتبر الأجود في المنطقة، وقد ورثوا هذه المهنة أبا عن جد، ..
كأغلب الإخوة لاحظ الأب الحكيم خلافات بينهم. فبالرغم أنه اعتبرها أمرا عاديا في وسط العمل، لكنه لاحظ أن هذه الخلافات بدأت تؤثر على العلاقات بينهم.
فكر مليا في حل حكيم يحفظ به أساسا العلاقة بينهم، فققر أن يجمعهم.
جلس الإخوة حوله يحملقون فيه وينتظرون بشغف أيّ موضوع يكون قد استوجب جَمْعهم. أخبرهم الأب أنه سيرسل كل ثلاثة أشهر واحد منهم إلى قرية بعيدة، تمتاز بكثافة الأشجار، وتعتبر واحدة من أجمل المناطق السياحية، وقال أن تكلفة السفر على حسابه شريطة أن يحضر كل واحد منهم وصفا دقيقا لأشجار المنطقة.
كانت رحلة كل واحد من الإخوة مختلفة عن رحلة الآخر، فقد صادف كل واحد منهم فصلا من فصول السنة.
بعد انتهاء هذه الرحلات جمعهم الأب حول نفس الدائرة المستديرة التي جمعهم عليها قبل سنة حين قرر إرسالهم، فطالبهم بكتابة ما لاحظوه في أوراق ثم جمعها وقرأها عليهم:
ورقة الابن الأول كان مكتوب عليها: أشجار القرية أوراقها صفراء، وتتساقط في كل وقت.
أما ورقة الابن الثاني فقرأ منها: أشجار تلك القرية ليس فيها سوى الأغصان، ولم أرى حولها حيوان قَطّ.
الابن الثالث كتب في ورقته: أشجار لم أرى مثيلها من الاخضرار أبدا، أوراق خضراء وأزهار نُسجت في إبداع.
بدأ الأبناء ينظرون إلى بعضهم، وبدأوا يشكون أنهم لم يزوروا نفس المنطقة.
ورقة أخيهم الأخير زادتهم تعجبا فقد وصف فيها الأشجار أنها مليئة بالثمار الحلوة.
سكوت رهيب ساد المكان. كسره الوالد الحكيم ليزيل تعجبهم عندما عَقّب على ما كتبوا وقال مبتسما:
لما هذا التعجب، أنتم جميعا على حق، لقد وصفتم نفس الأشجار ولكن في فصول مختلفة، وهذا هو السبب وراء اختلافكم في وصفها. فالشجرة تعلمنا أن سبب الاختلافات بيننا في أمور الحياة والعمل هو فقط اختلاف وجهات النظر. كل واحد منا يرى إلى موضوع ما على حسب تكوينه وظروف نشأته، وعلى حسب الكثير من العوامل الأخرى، ... إن نحن فهمنا هذا فسوف نسعى إلى تكامل وجهة نظرنا مع وجهات نظر الآخرين ليكون نجاحنا متكاملا من نواح مختلفة، فلولا تكامل ظروف الفصول الأربعة لما أعطتنا الشجرة ثمارا وفوائد.
قصة تصرفت فيها انطلاقا من فيديو (من سلسلة قناة أسلوب)، دفعتني إلى التفكير في كتابة سلسلة عنوانها: مدرسة الطبيعة. سأحاول أن أبدأ فيها قريبا...