هل الفساد أخطبوط ؟
سميرة بيطام
نشر في 28 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
لا يعرف الواحد منا فيما يصبح و على ما سيمسي ، تسير عدل مثل ما يقول المصري يسلبك الفاسد نزاهتك ، و المثل المصري في حد ذاته يقول في جهة أخرى امش عدل يحتار فيك عدوك ، هل ترون أن آخر الزمان يعج بالمتناقضات ،كنت أستمع مرة في حوار زملاء في الجامعة حول النزاهة قال أحدهم :
مشينا عدل اتهمنا في شرفنا و كرامتنا فهل نحيد عن الطريق حتى يتركونا في سلام ؟، فأجاب أحدهم : و ما يهمك في رضى الناس و الرب ساخط عليك ، ثم هؤلاء الناس الذين تريد ارضائهم لا يمدونك بمال و لا مساعدة و لا يبكون معك ان بكيت ، لا أفهم لماذا تفكر في رضى الناس ، و الأجدر بأن من ترضوه هو الله ، ثم مسار الفساد يجلب له المتفقون في الفساد و يرفض النزهاء لأنهم يخالفون شريعتهم ، و عقب آخر وقال : في هذا الزمان جميل ان يستقيل الفرد نهائيا من أي مشاركة اجتماعية حتى يبقى نظيفا .
استمعت جيدا للآراء و فكرت قليلا ثم قلت هذا الكلام بيني و بين نفسي :
لماذا يبحث الناس لهم عن الرضى و الهدوء و السلام بغير سلام حقيقي ، و السلام الحقيقي الذي أعنيه هو مواجهة الواقع بكثير من الاحترام من جهة وفق تعاليم ديننا الحنيف ووفق ما تدافع به النفس البشرية عن المظالم و الخلافات و النزاعات بكل أحقية في مكسب شرعي نزيه تسنه قوانين وضعية و يؤطره قبل كل شيء شرع الله ،انطلاقا من الرجوع لمرجعيتنا الدينية و الاحتكام لنموذج الرسول صلى الله عليه وسلم كيف كان يجهر بالحق في أدب و لم يكن يخيفه في ذلك لومة لائم ، ان كان الإسلام الذي نريد أن نمثله يقحم فيه الضعفاء مغالطات و تصحيحات خارقة لسنته الصحيحة فلا أرى أن ثمة أخلاق أو قوة شخصية أو مواجهة ،و الإسلام دين قوة و سلام ووسطية ، لست أعرف لماذا يفر المرء في هذا الزمن ليس بدينه حفاظا على دينه و انما يفر بمكتسباته حفاظا على المنصب و الجاه و السلطة ، ثم هذه الأمور هي آيلة للزوال تحت أي ظرف كان ، أتساءل بيني و بين نفسي مرة أخرى : ماذا ينقص مسلم اليوم لينتصر في رهاناته كما انتصر بالأمس الصحابة مع رسول الله في الغزوات و الحروب ؟ ، ماذا ينقص نساء اليوم ليثبتن على العقيدة الصحيحة ؟ ، و لماذا أقلب الفساد موازين كثيرة ؟ هل لأن النزهاء انسحبوا في سكون خوفا على سمعتهم ؟ هل لأن الفساد أخطبوط قاتل يجب الهروب منه ؟ ان كان أخطبوط كما يقولون ، ألا يوجد طريقة لقص أذرعه من الامتداد ؟ هل الهروب من المواجهة تصلح للود قضية؟ هل بانسحاب الشرفاء من مقراتهم الفعالة هي حل لهم فعلا في أن لا يلحقهم الأذى و الكلام و الاشاعات و الفتن؟.
أرى أن الفساد كظاهرة اجتماعية هو خطر حقيقي يهدد مجتمعات و أديان و أناس لم يستمعوا لصوت السرقة و الاختلاس و الرشوة لأنهم يريدون البقاء نظيفي الجيب و البطن ، فكما أن أي ظاهرة في المجتمع الا و يوجد حل ، هذا الحل لن يكون رادعا بالكامل في بعض الجرائم مثلا لكنه سيقلل من الظاهرة ، فاذا رأى البعض أن الانسحاب من ميادين القرار هو حل ، أعتقد أنه خطأ كبير ، ممكن يكون الانسحاب مؤقت و لكن ليس كلية ، حتى لا يشغل مكانه فاسد يستقوي بزملاء له من نفس الفكر و التربية و التوجه، فعلى النزهاء و الشرفاء أن يثبتوا بحبل الله المتين ما داموا على حق فما الشيء الذي يجبرهم على الابتعاد و التنازل عن الحق الشرعي لهم ؟، هل هو الخوف من الفقر أم الجوع أم البقاء بلا منصب، الرزق على الله و من ترك شيئا مرضاة لله عوضه الله بأحسن مما ترك ، أعتقد أن فيه بعض سوء التقدير لفهم كلام الله لنا و هو يخاطبنا في القرآن بقوله {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2- 3].
أيا كانت تسمية الفساد بالأخطبوط أو بالسرطان أو ما شابه ذلك ، أعتقد ما دام فيه تسمية الا و لها نقضيها في معجم اللغة.
حقيقة ما أخشاه على مجتمعاتنا هو الفساد الأكبر و هو التولي عن الزحف و ترك الأماكن شاغرة للحيتان الكبيرة التي تربي حيتان صغيرة مع مرور الوقت ، فمن يريد التغيير عليه أن يثبت و يصبر و يقاوم في مكانه ، فالتغيير ينطلق من هذه الأماكن المهددة بالزوال بسبب مطاردات المفسدين و المخالفين للقانون ، و الموضوع يتشعب و كعادتي في هكذا مواضيع أترك لكم أيها الأوفياء مساحة لإبداء الرأي ليدلي كل بدلوه عساه ينفعنا و يثري نقاشنا ، حياكم الله أينما كنتم و وقاكم شر الفساد و المفسدين .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
عندما ترك النزهاء الاماكن شاغرة... استطاع الفساد نسج شباكه..."الحمية تغلب السبع" و الفساد جعل لنفسه حمية يتقوى بها على الحق الذي حمله أصحابه فرادى...
مقال جميل و أعجبني ما قلت في النهاية..."الفساد الأكبر و هو التولي عن الزحف"
تحياتي