أسرى الشاشات
أسرى حبستهم الشاشات عن العالم الخارجي، وخلقت لهم عالمًا ينشرون من خلاله ما أكسبتهم الحياة الطبيعية من علوم وخبرات تعلموها خلالها وليس العكس.
نشر في 01 يناير 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كباقي مستخدمي العالم الأزرق "FaceBook" بحثت عن شخصيات مثالية "نشطاء" لأتابعها وأستفيد من خبراتها وما تنشره على حساباتها الشخصية أو صفحاتها العامة من كتابات أو معلومات تقنية وفنية أو أشعار وغيرها.
تابعت كثيرًا من هذه الحسابات الرائعة والمفيدة وتطلعت إلى خطوة مستقبلية في أن ألتقي بمن يتيح لي الزمن أن أراه وجهًا لوجه، لما للاتصال الشخصي من تأثير كبير على صعيد كمية المعلومات ورجع الصدى المباشر، وبالفعل نجحت في تحقيق هذه الخطوة.
وبطبيعتي البشرية توقعت أن من تمنيت الالتقاء به سيكون مشابهًا لمن كان خلف الشاشة، لبق الحديث، تستمتع بالحديث معه، يعرف كيف يرحب بمن يلتقي بهم أول مرة، يطبق شيئًا مما كانت تخط أنامله خلف الشاشة، يعيش حياة سعيدة...
لكن للأسف تفاجأت أن معظمهم يختلفون عمّن تخيلتهم، حاولت أن أجد تفسيرًا لهذا الاختلاف.
هل هو خجل لأنه اللقاء الأول؟ ولكنه كناشط يجب أن يكون قد تخطى هذه المشكلة التقي بكثير من الناس وتخطى هذا الشعور...
هل المشكلة أنني لا أعمل بلغة ما تعرضه الشاشة "0.1"؟ طبعا لا...
هل تعمد ذلك حتى لا أفكر بالالتقاء به مرة أخرى؟ ولكنه قادر على إخباري بذلك دون الحاجة لهذا الأسلوب...
مسوغات كثيرة حاولت التفكير بها لكن سرعان ما ينقضها عقلي لأنها غير منطقية، إلى أن اكتشفت أنني تمنيت الالتقاء بأسرى لكنهم طليقون.
أسرى حبستهم الشاشات عن العالم الخارجي، وخلقت لهم عالمًا ينشرون من خلاله ما أكسبتهم الحياة الطبيعية من علوم وخبرات تعلموها خلالها وليس العكس.
أسرى ليس لهم سوى صديق مقرب واحد يمثل حلقة الوصل بينهم وبين من يستفيدون من منشوراتهم، اكتشفوا ذاتهم داخل هذه العوالم الافتراضية، ونسوا بل تناسوا أن هناك عالم خارجي من المفترض أن يكونوا جزءًا منه بأفكارهم الحقيقية وخططهم الواقعية.
أسرى لا أدري كيف سيكسرون قيد سجنهم الذي صنعوه لأنفسهم، مع أن المفتاح بأيديهم.
-
علاء برهوم - Alaa Barhoomصحفي من قطاع غزة المحاصر بموقعه الجغرافي، ولكن هيهات هيهات للأفكار أن تُحاصر.