بعد أقل من ساعتين إن شاء الله علي بمواجهة تلاميذ في الطور الثانوي، و مرة أخري سأجد نفسي أمام وجوه متطلعة إلي بفضول، سأقابلهم خارج أوقات الدراسة. فرصة لأعطيهم حق التعبير عن إنشغالاتهم. يهمني جدا أن استمع إلي تلميذ، فطوال سنين من متابعتي للعملية التعليمية في بلادنا، لاحظت أن أكثر فئة مهمشة في فعل طلب العلم هو الطالب نفسه. فالمنظومة التربوية في الجزائر وقع صياغتها دون مراعاة حاجة و قدرات التلميذ دون إنكار الجهد الذي يبذله المؤطرون في الميدان. هذا و طفل هذا الزمان ليس طفل زماني أنا أو زمان أباءنا أو أجدادنا. البارحة فقط أشار لي أحد المهتمين بالعمل مع فئة الشباب أن قدرة إستيعاب الأطفال أكبر بكثير من قدرة من عاصروا ثورة التحرير في تعاطيهم مع الحاسوب.
من تجربتي المتواضعة في التعامل مع التلاميذ من أعمار مختلفة و مستويات مختلفة، أكثر ما يثير قلقي عندما أتعامل معهم. كيف أنجح في تركيز إنتباههم معي لحوالي عشرين دقيقة متوالية دون أن يدركهم الملل و الإنصراف عني، هذا يراقب الساعة، و الآخر يشاغب، و هذه تنام مباشرة علي الطاولة.
و قد نجحت في إستعمال أسلوب الحوار، أقف بينهم و أعطي الكلمة بالتداول لكل واحد ليعبر عن همومه و أطلب من الجميع الإستماع إليه ثم عندما يسألني ما الحل أجيبه:
-الحل بين أيديك. أنت أدري بظروفك و إمكاناتك إنما عليك بفعل كذا و كذا و أنظر ما يتبع قرارك. عليكم أن تدركوا عامل الزمن و قيمته. فبدون ضبط صارم لخطة عمل من الصعب أن تتداركوا مواضع الضعف في مشواركم ثم قبل كل شيء عليكم بتحديد هدف، ما الغرض من طلبكم للعلم ؟
جل الوقت تكون الأجوبة علي هذه الشاكلة:
"نريد الشهادة، نريد النجاح، نريد أن يفرح بنا أولياءنا،نريد الإنتقال و كفي..."
فأبتسم في وجوههم الغضة و أجيبهم :
"جميل هذا الحماس منكم لكن هناك ضريبة للنجاح و هي الكد و الإجتهاد و لا ننال شيء هكذا لمجرد أن نتمني ذلك و لا تنسوا في طلب العلم رفعة لبلدكم و لدينكم، فأجتهدوا لدنياكم و لآخرتكم."
و أختار بينهم الأنجب ليحكي لأقرانه قصته مع الإجتهاد. و أتيح لهم مساحة لسؤاله و الإستفسار منه ثم أعود لأستمع لأكبر عدد منهم. فأقوم برصد أهم إنشغالاتهم و أختم الجلسة بتقديم حلول عملية بمشاركتهم، لا يكفي أن نستمع بل علينا بإشراكهم في إيجاد مخارج و كيفية ذكية في إعتماد الوقت و الإنضباط و التخطيط و قبل كل شيء التوكل علي الله بخشيته و التمثل بسيرة من سبقونا في مجال طلب العلم ممن نبغوا و ربط كل ذلك بواقعهم المباشر.
و اللهم نوفق في مسعانا.
www.natharatmouchrika.net
-
نظرات مشرقةروائية و قاصة باللغة الفرنسية مناضلة حقوق إنسان باحثة و مفكرة حرة