المعهد القومي للأورام يعد من أهم المؤسسات العلمية والعلاجية المتخصصة في العلاج والأبحاث السرطانية ، حيث يرجع تاريخ إنشاؤه إلى عام 1959 ، وقد افتتح المعهد للعمل عام 1969 ، ولقد تكلف المعهد في تأسيسه مليون جنيه مصري ، وقد عمل في معهد الأورام أمهر الأطباء المصريين أمثال – الدكتور لطفي أبو النصر مؤسس المعهد ، وكذلك دكتور إسماعيل السباعي ، الذي أدخل أسلوب جديد لعلاج الأورام الخبيثة عن طريق الجراحات الجذرية .

صورة قديمة لمعهد الأورام
كانت الدولة المصرية في حقبة الستينات لا تزال رائدة في الطب ، ورغم شيوع القمع والأجواء الاستبدادية في تلك الفترة إلا أن الدولة كانت قائمة على دعم الفقراء وعلاجهم بالمجان ، حيث كانت مصر تمتليء بالمستشفيات المجانية الحكومية ، والبعض الآخر من المستشفيات كانت تقدم خدماتها الصحية مقابل أجر، فقد كانت تضع أسعار رمزية مقابل خدمة أفضل ، حيث كان المريض يقوم بحجز تذكرة بعشرة قروش ليتلقي مميزات أعلى ، وكان يتم إجراء العمليات الجراحية بأثمان زهيدة ، فقد كانت التكلفة تتراوح بين الخمسة جنيهات إلى مائة جنيه بالنسبة للحالات الحرجة .
لقد كانت مصر تمتلك التميز والمهارة في تلك الفترة ، حيث عملت الدولة في تلك الفترة في اتجاهين رئيسيين ، الأول هو التوسع الرأسي من خلال التحديث وبناء المستشفيات والتطور التقني لمنافذ تقديم الخدمة ، والاتجاه الثاني هو التوسع الأفقي من خلال مد الخدمات خارج نطاق المدن ، والمناطق الحضرية ووصولها إلى الريف والوجه القبلي .

المعهد القومي للأورام في الحقبة الحديثة
وبنظرة واعية ، ومقارنة سطحية بسيطة بين العصور السابقة والوقت الحالي تبدو لنا الكارثة التي أصبح المصريين يعانون منها في القطاع الصحي ، ليس فقط في التكاليف المادية الباهظة بانتقال مصر من الإشتراكية السلطوية إلى الرأسمالية المتوحشة التي تنتقم من الفقراء ، بل تظهر الفاجعة نتيجة الفجوة الكبيرة في جودة الرعاية الصحية بالنسبة لمحدودي الدخل ، ولم تكن تلك العوائق وليدة اليوم ، بل إن ذلك بدأ منذ نهاية التسعينات ، لكن حادثة انفجار معهد الأورام أزاحت فقط الستار عن الوجه القبيح المحارب للضعفاء ، حيث تبدو الكوارث مضاعفة ، فإذا كان الحادث عشوائي وناتج عن الإهمال ، فكيف يمكن أن يصل بنا الإهمال والجهل إلى هذا الحد؟ ، وإذا كان الحادث إرهابياً مقصوداً ، فكيف تغير الفكر المتطرف إلى هذا الحد ليقتل ضعفاء يمكن أن يموتوا في أية لحظة دون التخطيط ، وبذل الأموال لارتكاب هذا العمل الخسيس والجبان؟

صورة من داخل انفجار معهد الأورام
هل أصبح هذا نهجاً للنازيين في مصر ، حيث كان هتلر والنازيون يتململون من المرضى والضعفاء ، حيث كان يتم التخلص منهم بشكل مباشر ومستمر بغرض أن تتأسس دولتهم كما يعتقدون على نقاء الجينات الآرية للسلالة الألمانية ، فالمرضى والمعاقين ذهنياً أو جسدياً يعتبرون كما اعتقد النازيون عديمي الفائدة للمجتمع ، ولا يستحقون الحياة ولهذا استهدفهم النازيون في بداية الحرب العالمية الثانية ، وذلك من خلال وضع هؤلاء المرضى والضعفاء في حجرات غاز ، ثم حرق جثثهم في أفران كبيرة .
لا يستطيع أحد بأي حال من الأحوال أن يدعي معرفته بما وراء حادث معهد الأورام ، لكننا يمكن أن نستشف من خلال ما يمر به المجتمع من قضايا ومتغيرات ، يمكن أن يستشعر الأهداف والنتائج ، فقد انقسم المصريين إلى مجموعة من الطوائف ، والفرق المتناحرة منذ أن تم قتل حشود المعتصمين السلميين في ميدان رابعة العدوية، فكيف يمكن أن يتم بناء مصر على كل ذلك البغض والكره ، والتنافر .
لقد صرخ أحد الأطفال في هذا اليوم المشئوم منادياً أمه بأعلى صوت وهو يقول :(يا ماما اصحي بالله عليكي ) ، وفتاة جميلة في عمر الزهور سقطت قتيلة برصاص قناص الشرطة(أسماء البلتاجي) ، وشباب آخرين قتلوا وحرقت جثثهم في وضح النهار ، وعلى الجانب الآخر وقف مجموعة من النازيين يفرحون ويغنون بل ويرقصون على جثث القتلى ، لقد اصطدم كثير من المصريين في بعضهم البعض ، لقد انكشفت الوجوه الضعيفة والنفوس الهشة ، وتحول الوطن إلى مجموعة من المخبرين والوشاة ، حيث تحجج البعض بالخوف ، وآخرين بالجهل ، والبعض تحدث عن حتمية الطاعة للمؤسسات الأمنية التي يقدسها .

الطفل رمضان الذي انهار لموت أمه في ميدان رابعة

الشهيدة أسماء البلتاجي وهي في لحظات الاحتضار
القاعدة تقول : ما بني على باطل فهو باطل ، من الصعب أن يعيش مجتمع ويستمر في ظل التنازع والعداء المتبادل بين أبناء الوطن ، لقد كان لمشاهد القتل آثار عميقة في نفوس المصريين وترسبات لن يمحيها الزمان ، وستظل تلك الحقبة هي الصفحة السوداء في تاريخ مصر ، وسيكتب التاريخ كل الأسرار والخفايا لكل ما حدث ويحدث ، لأن البديهي أن تنتهي تلك المرحلة قريباً أو بعيداً ، لأن الزمان لا يتوقف ، وأوراق التاريخ تطوى مهما طالت.
رحم الله شهداء معهد الأورام .....
-
عزة عبد القادربدأت عملي كصحفية فأدمنت الكتابة بدرجة تجعلني مشتتة في عملي إذا لم أكتب ، حتى ولو كان في رأسي قصة تافهة ، فالكتابة تروح عن النفوس وتجبر القلوب ، اقول لماذا لا اكتب ، بدلا من إزعاج الناس لماذا لا نكتب ، وبدلا من ان نبكي ونحز ...