تردد بتلقائية تلك الآيات التي حفظتها عن ظهر قلب منذ الطفولة، ولا تستوقفك معانيها من عادة تكرارها. تفهم من سورة الفلق أن الله أرادك أن تتقي عمل السحرة من خلال طلب الحماية من الله عزّ وجلّ، وتبقى هذه المعاني في ذاكرتك كما هي بحكم العادة، فهل من معاني أشمل لها؟ وما هي النفاثات في العقد؟ ومن هم السحرة؟

كان للسحر مكان في تفكير المجتمعات الغابرة، إذ كان يؤمن بها الناس، ولكنها اليوم غير مقنعة فكيف نفسر هذه الآيات من منطلق تفكير مجتمعنا الحالي؟ تمكّن سحرة فرعون من تطويع فكر المشاهدين من خلال الإيحاء أمام تحدي موسى لفرعون، فتحولت حبالهم إلى حيّة تسعى في أعين مشاهديها. إذن السحر من هذا المنطلق هو سيطرة عقل على عقل من خلال استخدام بعض الأدوات المساعدة، وأدوات السحرة في هذه القصة هي الحبال، أما أدوات فرعون فهي عمل السحرة.

كلمة النفاثات مشتقة من فعل نفث وتعني بصق أو رمى أو ألقى وعن الحيّة تقول نفث الثعبان السم أي رمى به، وقد يكون خيرًا أو شرًا، إذ تستطيع القول نفث الله الصبر في القلب أي ألقى، فهو إذن فعل انتقال لشيء أو حالة بين مكنونين أو مادتين. في الآية، النفاثات هي تلك الأدوات التي يستعملها الساحر بحيث تمكنه من خلال قدراته العقلية من السيطرة على عقل آخر وقد تكون مادية أو معنوية أي قد تكون حبال كسحرة فرعون أو تكون كلمات يسحر بها الساحر عقل مشاهديه فيكون له سمعًا وطاعة، إذن الساحر هو أي إنسان استعمل أدوات ما وتمكن من خلال قدرته العقلية وربما التقنية السيطرة على عقل إنسان آخر.

أما معنى العُقد فنستخلص من قصة فرعون أنها الصراع بين موسى في دعوته لعبادة الله وبين فرعون في إثبات ألوهيته، أي بمعنى شمولي هي الصراع بين الحق والباطل وهكذا يكون معنى العُقد دائما بالعموم صراع بين الحق والباطل ولكن تختلف أشكاله بالخصوص، والنفاثات المقصودة بالآية تعني رمي أو إلقاء الكلام الباطل الذي يريد قمع الحق، وفي الآية دعوة لكل مؤمن ليتقوى بالله حماية من كل باطل ونصرة للحق، لترى الحق حقًا ولا تنخدع بكلمات ساحرة وباطلة، فيبطل عمل النفث في النفوس من حاسد أو كاره.