سحر الفن - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سحر الفن

  نشر في 01 ديسمبر 2022 .


هو ذاك العالم الذي لا يعرف له لا حدود و لا أعماق، كلما شرعت في تحصيل ما بين يديك، حتى تجدك حائرا، بل ربما ثائرا على ما هو ليس موجود بحوزتك. لأن الكم هنا عديم الرائحة، أما الكيف فهو بمثابة تلك الصفة أو الصورة المنقولة عن ما هو وليد إحساس و إيحاء و تأمل و تصور و تشخيص موصوف و لازم كأي واقع محسوس كان أو ملموس كانطباع أو كخيال مرموز وقد يكون مبهم الفهم.

فالفن تعبير مكشوف، ألوانه تبرز أحشائه، و كذا أحداثه تظهر عمره، أما نوعه فقد يفرز نفسية صانعيه، هكذا نلاحظ أن من بين ما يمكن أن نحتفظ به كثروة نفيسة، قد يكون شكلا أو حجما أو لونا أو لحنا الخ، ما هو إلا تعبير عن إحساس ما، لنفسية ما، شخصت على نحو ما تحت تأثير ما في مكان و زمن معين.

الفن، أصدق تعبير عن النفس في مدلوله كأجمل قطعة كيف خلقت، هو خلق جمع ما بين الشكل و المادة، و بين الرقة و الخشونة و كذا بين الظاهر و الباطن حيث يجعل من البارع ساحرا، و من العبد رسولا، فيكسر قواعد المعتاد، و يثور في وجه ما يسمى بالمستحيل بدون خجل أو تردد.

هو وحي منبعث من الأعماق، لا يتذوقه إلا عاشقه المتيم به، و لا ينعم به إلا ذاك الشغوف بطعم الحواس، أحب الناس إليه، من أحسن صحبته و أقربهم به، من سعى في العمل على أن يوقد شمعة ميلاد رواده.

أما أمقتهم لديه فهو كل من حاول الفتك بأركان سننه، رغم أنه لا يملك وطنا، و لا حدود له...هو كالحب، إن أنت عشقته، ملكك، قوة سره تمكن في رهافة حسه.

أشد أعدائه من حاول مثلا، تقييم سعر حريته أو أباح عرضه لأجل بيعه كالبضاعة أو استبداله كالأسير، لا يقبل أن يزج به في صناديق أو أن يترك على رفوف الأرشيف، لكي يحتفظ به كباقي الأمتعة غير المستعملة. فهو ليس بالعبد المملوك و لا كشيء عديم القيمة، بل إنه قد يكون من الفكرة إبداع، و من هذا الأخير متعة فريدة.

صدق من قال في حقه بأنه " يولد بالإكراه، و يحيا بالصراع و يموت بالحرية ".

فن الرسم و النحت مثلا، هما تلميح جميل لإلهام صادق، معبر عنه في صورة أو رسم أو شكل نحت أي كان نوع مادته، بحيث تمثلان أو يعرفان بقوة المادة المصوغة، ثم إنهما يكونان معا علاقة تقابليه لمفهوم نسبي و ذات الحس و ذوق متناسقين، حسبما يوحي به وضع الشيء المعروض. إلى حين تكتمل الصورة و الشكل المطلوب، فإنهما إما يكتسبا مظهرا موضوعيا بالنسبة للمبدع، حيث يبرز أسلوبه الذاتي و الموافق لما يؤمن به، و إما أنه قد تولد من خلال مخاض تنصهر فيه الأذواق و الألوان، فكرة شاملة لما سيتحول إلى لغة التخلص الزائلة ، و كذا ليتكون في الأخير لدى المتلقي، تصور عما يوجد أمامه كإبداع، برغم من أنه أحيانا ما يصعب عليه أن يخترع صيغة مرغوب فيها كمذهب أو تيار فني.

فلا مناص أن نحاول مثلا نحث مادة ما مهما و كيفما كان صلبها، بدون اللجوء إلى البحث مبدئيا عن اختيار الوسيلة الممكنة، لكي ننتهجها في عملنا...بالأحرى يجب أن نعي طبيعة هذه المادة التي ارتأيناها مناسبة لكي نخلق منها ذاك الشكل الذي هو بدوره يبدو وكأنه يجب أن يصب في اتجاه الخيال المطبق للفنان المبدع، و ليس مهما، مدة التمرن أو المحاولة مادامت الغاية تبرر الوسيلة لكل تحفة فنية.

كما أنه يجب أن يأخذ هذا العمل على محمل الجد، مادام شعاره"الدقة، أولا". و ذلك حتى لا يقال في وقت لاحق، أنه كان عملا وضيعا أو دون المستوى، الشيء الذي قد يبعث على تثبيط عزيمة الفنان، إن لم نقل أنه بذلك قد يحكم بالإعدام عن قدرة الخلق لدى خالقه، و بالتالي فقد تموت تلك القريحة عند الضحية (أي المبدع) من أجل تبرئة الشيء المطلوب أو المرغوب فيه فيما بعد.

تحفل الطبيعة بمجموعة قيمة من التحف الساحرة، و هي كثيرة الأحجام و الأشكال، لكن يبقى المبدع وحده، الشخص الذي يستطيع أن يسمح لنفسه بفرصة التأمل لكي يستنبط منها أشكالا و أشخاصا شبه حقيقية أحيانا. لهذا ربما، قد تجد الملاحظ عاديا كان أو متخصصا أو مفتونا بها إلى حد الذهول.

أما فن الرسم، فهو تجربة جريئة ذات تعبير أخرس، لا يفهمه أحيانا، إلا من أخذ على عاتقه معاناة بلوغ أعماق انعكاساته عليه، و كذا كل من تمكن من فك رموز الانطباعات المرسومة على وجوه الشخوص: أشخاص اللوحة طبعا.

فن الرسم، يعتبر كلغة مرئية إن أخذنا في الحسبان دلالة الألوان التي هي في الواقع، تعد من بين أهم الأدوات المكونة لأية بنية فنية كان، لأن الموهبة تفرض نفسها على مساحة القطعة المعينة لهذا الغرض، بحيث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أيضا، تعاقب مقاييس دقيقة في أول الأمر و آخره، لأنها مسألة "لباقة" ليس إلا.

وإلا، فبفعل إيجاد موضوع مناسب، قد يتطلب تمديد زمن هذه العملية، بل ربما، قد يضيع الفاعل بين متاهات تقاطيع الشكل المطلوب، على نحو ما يجعل كل قطعة من أجزاء الرقعة، تتكامل فيما بينها حتى ينقشع وميض الضوء المشع و المخلف بالتالي انعكاس الظل على المساحة المعبرة عن حالة نفسية أبطال الرقعة المعروضة.

للفنان المقتدر، أسلوب جذاب في عمله محاولا ترجمة ما يخالجه، ليقدمه كهدية للآخرين، فيبني بذلك جسر التواصل بينه و بينهم باسم الفن، تلك التأشيرة التي تمكنه من أن يسافر إلى عقولهم بدون إذن منهم.

فهل يمكن أن نقول أنه بهذا قد فرض عليهم موهبته عفويا؟ أم أنه بذلك قد أصبح عبدا مجبرا لفنه؟

على شاطئ الفن، لا يتأخر كل من الهاوي و المحترف في عرض ما يحتاجانه من المعدات الضرورية لأجل نصب قصابتهما باتجاه أفق بحر الإبداع، رغم أن لكل منهما طريقته الخاصة به، تجد أن طعم صيدهما واحد، بطموح طاهر و صبر وافر للظفر الباهر.



   نشر في 01 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا