مختارات من "ثورة الأمل " - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مختارات من "ثورة الأمل "

مفترق الطرق

  نشر في 14 يونيو 2015 .

- قوة الروح 

ما يزال هناك عنصر آخر متعلقاً بالأمل وبالإيمان في البنية الحيوية: هو الشجاعة أو كما يسميه سبينوزا قوة الروح (15). ولعل عبارة قوة الروح تكون أقل غموضاً لأن كلمة "شجاعة" كثيراً ما تستعمل في وصف الشجاعة في الموت أكثر من وصف الشجاعة في الحياة. فقوة الروح هي القدرة على مقاومة إغراء المخاطرة بالأمل والأيمان اللذين إذا ما تحولا إلى تفاؤل فارغ أو إلى إيمان لا عقلي يمكن أن يتحطما. وقوة الروح هي القدرة على القول "لا" عندما يرغب جميع الناس في سماعك تقول "نعم".

لكن مفهوم قوة الروح ليس واضحا تمام الوضوح إذا لم ننوه بوجه آخر له، هو: البسالة. والبسالة لا تهاب لا من التهديدات ولا من الموت. إلا أن كلمة "باسل" تنطبق، كما يحدث كثيراً، على عدة مواقف مختلفة. سأذكر أهم ثلاثة فحسب: أولا قد يكون شخص ما باسلاً لأنه لا يكترث بالحياة، ونتيجة لذلك يكون باسلاً في وجه الخطر؛ ولكن، في حين أنه لا يخشى الموت من الممكن جداً أن يخاف الحياة. وهذا الشخص لا يبقى باسلاً عندما لا يجد نفسه في وضع يجازف فيه بحياته. إذ أنه، عمليا، يبحث عن المواقف الخطرة للهرب من خوفه من الحياة ومن نفسه ومن الآخرين.

والشكل الثاني للبسالة هو بسالة الشخص الذي يعيش في حالة خضوع تكافلي (symbiotic) لمعبود سواء أكان شخصا أو مؤسسة أو فكرة؛ إن وصايا المعبود تكون مقدسة؛ فهي مجبرة أكثر كثيراً حتى من ضرورات المحافظة على الجسد. ولو كان في وسعه مخالفة وصايا المعبود أو الشك فيها لأمكنه مجابهة خطر فقدان مطابقته للمعبود. وهذا يعني أنه يتعرض لخطر إيجاد نفسه من جديد منفرداً غاية الانفراد، وإذن، على شفا الجنون. وحينئذ قد يصبح الموت، مما يتمناه، أكثر من هذا الخطر.

أما الشكل الثالث للبسالة فهو بسالة الشخص المتطور، كلية، المطمئن والذي يحب الحياة، فالشخص الذي تغلب على الجشع ولم يعد يتشبث بأي معبود ولا بأي موضوع وبالتالي لا يملك شيئا يجب أن يفقده: إنه غني لأنه مجرد وهو قوي لأنه لم يعد عبداً لرغباته. يستطيع أن يطرح الأصنام والرغبات اللامعقولة والهلوسات لأنه على تلاؤم تام مع الواقع، في داخل نفسه وخارجها. فلو أن شخصاً كهذا الشخص قد بلغ "صحواً" كاملا فلن يعرف بعدها الخوف. ولن تكون بسالته تامة إذا هو اتجه نحو هذا الهدف دون بلوغه. وكل شخص، مع ذلك، يميل نحو هذه الحالة التي يكون فيها هو ذاته على وجه تام، يعلم أن شعوراً من القوة والفرح، في كل خطوة جديدة تُسلك إليها، يستيقظ ولا يدع مجالا لأي شك. ويحسّ بأن مرحلة جديدة من حياته قد بدأت. ويستطيع الشعور بحقيقة أقوال غوته: "لقد بنيت بيتي على لا شيء لذلك فإن العالم بأكمله هو ملكي".

إن الأمل والإيمان، بوصفهما صفتين جوهريتين للحياة، يوجهان، بطبيعتهما نفسها، نحو سمو مفارق للحالة الراهنة سواء أكانت فردية أم اجتماعية. ذلك أن التغيير وعدم البقاء أبداً على نفس المنوال في أية لحظة (16) هما صفة من الصفات الخاصة بكل حياة. إذ أن الحياة التي تركد، تميل نحو الموت، وإذا كان الركود تاماً فإنه يكون الموت. وينتج عن ذلك أن الحياة، بخاصيتها الحركية، تنزع إلى التخلُّص من الحالة الراهنة والتغلب عليها. فإننا نصبح أقوى أو أضعف، أعقل أو أكثر جنوناً، أشجع أو أكثر جبناً. كل ثانية هي ثانية في فرار، من أجل الأفضل أو الأسوأ. فإما أننا نغذي كسلنا، جشعنا وحقدنا أو أننا نجوِّعها. وكلما غذيناها كلما غدت قوية؛ وإذا نحن جوَّعناها أصبحت ضعيفة.

وما يكون صحيحاً عن الفرد هو صحيح عن المجتمع. فهو ليس سكونياً أبداً، وإذا لم يتطور، فإنه يؤول إلى الزوال؛ وإذا لم يتجاوز الحالة الراهنة من أجل الأفضل فإنه يتغير من اجل الأسوأ. وغالباً ما يتوهم الفرد أو الناس الذين يشكلون مجتمعاً، بأنهم يستطيعون البقاء ثابتين، ولا يعدلون وضعاً ما إلى هذا الاتجاه أو إلى غيره. وعلى هذا فإننا إذا تسمرنا حيث نحن فإنه يعني أننا نبدأ في الانحطاط.

اريك فروم 


  • 2

   نشر في 14 يونيو 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا