بالأمس حلمت حلم أيقض في أعماقي أشياء كثيرة ، كان الحلم عبارة عن شاشة تلفزيون ينبثق منها صوت اعلامية جميلة تخاطب صديقتي الكاتبة القديمة ، تذكرتها فوراً ، صديقتي الذي كنت انصحها على الدوام بأن لا تفلت القلم من يدها و أن تكتب كثيرا و تقرأ كثيرا كي تكون و تصبح و تصل إلى القمة ،، كانت تتحدث بكل فخر عن روايتها الجديدة و التي كان عنوانها قاسٍ جداً على امرأة مثلي ( استيقظي من سباتك )
و استيقظت فوراً و أبعدت يد زوجي التي كانت ملتفة على رقبتي ، لطالما طلبت منه أن لا يعيد هذه الحركة المستفزة مرة ثانية و لكنه عبثاً يعيدها و يكررها مراراً كما لو أنه يحاصرني من كل جانب ، ثم قبلت طفلتي الصغيرة ( سكرتي اللذيذة ) و انسحبت من مشهد الحياة الزوجية السعيدة و ركضت فورا إلى الغرفة المجاورة كي أبحث عن رواية صديقتي فالإنترنت و وجدتها بسهولة لأنها كانت منتشرة بشكل كثيف و قد نالت إعجاب الكثير ، ثم كان لها غلاف بسيط لامرأة ذو عينين تعيستين و جسد يشبه الإجاصة و حاجبين ثقيلين و كانت تطير حولها ابنتها الصغيرة حيث كان لها جناحين كأجنحة الملاك الصغير
لا أعلم لما شعرت أنها تشبهني ؟ على أي حال لم أهتم كثيراً باللوحة الغريبة التي كانت تتخلل الغلاف فكل لوحات القرن السادس عشر هكذا فهم يخلطون كثيرا بين البشر و الملائكة حتى أنهم يظنون أن بعض البشر في ذلك الوقت قد ولدوا داخل صدفة بحرية و البعض الأخر ولدوا بعد أن تشاجر الملائكة و الشياطين فالسماء ....
الإهداء
صديقتي العزيزة إن كنتِ تظنين أن الحب هو البطاقة الائتمانية التي يعطيها لك زوجك بابتسامة خفيفة بعد أن يشعر أن لك رائحة تشبه الثوم فانتي مخطئة ، و إن كنتِ تظنين أن النجاح هو تحضير وجبة طعام لذيذة فانتي مخطئة أيضاً ، و إن كنتِ تظنين أن الفن هو تصوير تلك الوجبة اللذيذة و نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي فانتي سطحية ، و ان كنتِ تظنين أن الحرية هي الرقص بشغف في حفلات الزفاف التقليدية فأنتِ غبية .... )
أتذكر قبل سبعة أعوام تقريباً كنت قد قابلت صديقتي الكاتبة و رحنا نتمشى في شوارع المدينة و كان الطقس مجنون بالفعل مثلما وصفته هي ، تارة تصبغنا الشمس باللون الأصفر و تارة تزرق بشرتنا بعد أن تداعبها النسمات الباردة ،، المهم فالأمر و الذي جعلني أتذكر هذه الذكرى البعيدة هو أنها لطالما كانت تحلم أن تتزوج ، و أن يصبح لها أطفال يزقزقون حولها و أن تعد الوجبات اللذيذة لحبيبها الذي سيصبح زوجها قريباً مثلما أكدت لي و كنت أنا أرمي بأفكارها اللعينة عرض البحر الهائج أمامنا ، و كنت أوبخها لأنها كانت تظن أن السعادة و النجاح هو بعض من أحلامها البريئة هذه ...
كنت أدفع لها بكتبي بعد أنتهي من قراءتها و كنت أسعد جداً عند قراءة بعض من قصائدها القصيرة فرغم أفكارها المحدودة فهي تملك إحساس قوي بالكلمات و لها ذكاء في انتقاء الحروف و العبث بالقارئ و كنت أغرقها بإطرائي الذي لا ينتهي و أنتقد أعمالها نقداً إيجابيا بطبيعة الحال حتى أنني ذات مرة انتزعتها من فراشها و ركضت بها و قصصها القصيرة إلى أقرب دار نشر و عرضتها على مدير تلك الدار و الناشرين و ناقد ذو عينين فارغتين و كانت هي تنظر إلى الباب ثم تهمس في أذني لن ينجح الأمر و كنت أؤكد لها أن الأمر سينجح و نجح الأمر فعلاً
أما الأمر الذي لم ينجح هو أنا ،، على الرغم من أنني كنت أسخر من أفكار صديقتي فتلك الأفكار قد ارتدني بعد أن غادرتها ، و فالوقت الذي كانت تحضر فيه روايتها الأولى كنت أنا أحتضر في حفلة زفافي و بعد أن أنجبت هي كتابها كنت قد أنجبت طفلتي الأولى و ابتعدت عنها و عن معتقداتي و مكتبتي الصغيرة ، و صرت مثلما كتبت في اهدائها المتعجرف أصور الأكلات اللذيذة و أنشرها في حسابي على الإنترنت حتى صار لدي الكثير من المتابعين و كنت أسعد كلما خرج زوجي من المنزل فهو لا يهتم كثيراً بما اقوم به و أنا لا أهتم به أيضاً فأنا متزوجة من متابعين حسابي حتى أنني أنشأت حساب لطفلتي الصغيرة و قد لاقى إعجاب كبير لما تمتلكه من جمال عينيها التي ورثتها من والدها يا للأسف كم أنا سطحية
الآن انتهيت من قراءة رواية صديقتي و سأكتب عنها نقد لا يقل عن أربعة صفحات و سأقدمه لها كهدية شكر على ما فعلت روايتها المتواضعة بي ، لقد أيقظتني فعلاً و مسحت غبار التعاسة على زجاج روتين حياتي المملة ..
كنت السبب في أن يكون لصديقتي كرسي في طائرة الأدباء التي تحلق بعيداً و ها هي الآن السبب في أن أنتزع حياتي من حياتي و أن أعود لمكتبتي حيث بإمكاني التحليق عالياً ، هكذا هم الأصدقاء كشجرة تسقيها ثم تنام على ظلها الكبير
الوقت لم ينتهي بعد ،، أخر كلمات الرواية ...
الوقت لم ينتهي بعد كي تحققي أحلامك ، الوقت لم ينتهي بعد كي تنفضي الحزن من على جسدك ، لازال فالرياح متسع لصراخك ، لا زال فالبحر أشرعة لنضالك ، لا زال فالزهر رائحة لقلبك ، لازال فالورق مساحة لأصابعك ، تعلمي الرقص على منصة الحياة ، تعلمي المشي فوق الماء ، استيقظي من سباتك ....