كفى بكم إضراما لنيران القهر
هيام فؤاد ضمرة
في هذه الأيام التي تأتيكم فيها صفقة القرن أو "صفعة القرن" فالأمر سيان طالما الارادة الترامبية ستتحقق إن رضيت الأطراف العربية وإن لم ترضى فالضغوط السياسية والاقتصادية المستخدمة أكبر من أن لا تعطي نتائجها، وها هي الصفقة تقف واثقة من ذاتها على الأبواب فيما تكثر في اسرائيل أصوات المنادين بعودة المحادثات بين الجانبين فتح واسرائيل من جانب واسرائيل وحماس من جانب آخر للتباحث حول مسألة البنود المعلقة وإنهاء الحصار على القطاع، وعرض خطط إعمار قطاع غزة وإعادة بناء البنية التحتية فيها خاصة الطاقة الكهربائية، ليفرج عن أهل القطاع المخنوقين في سجنهم الكبير الصغير وقد تجاوز حدود اختناقهم الحناجر، أما الثمن المقابل فقريبا ستضج صحف العالم بعرضه جهاراً نهاراً.
ويعلق الجهاز الأمني في دولة الاحتلال تأخير حل المسألة والبدء باتخاذ خطواتها الأولى بالدور السلبي الذي يلعبه الرئيس محمود عباس، في الرفض لهذا الحل بصورة قطعية حيث أنه لا يجد أنه سيأتي بنتيجة مجدية طالما لم يظهر هناك في الأفق الدلالة على وجود حل نهائي وواضح بين فتح وحماس وبين فتح وحكومة الاحتلال أمام الشروط التعجيزية التي يلقيها نتنياهو في وجوه المحاورين وكأنه هو خارج المعاناة التي ستقصم ظهره هو الآخر، ويظن بذلك وكأنه يستعرض مكانه الآمن.
وأنى لدول الخليج من دور في هذا الوجود، فبعد خلو الساحة السياسية العربية من قيادة عامة، وتخلي مصر عن الدور، وسقوط الجامعة العربية في حالة من الشلل حد العطل الكلي، فرغت الساحة لمن يستطيع أن يدب بأقدام قوية على أرض اليباس مستغلاً قدراته اللوجستية في تليين المواقف وتيسير الأمور من خلال تعظيم العروض أمام الرئيس الفلسطيني لتليين موقفه من شروط نتنياهو، مستخدمين كل ما في استطاعتهم من ضغوط عليه، خاصة أمام الحماس الذي يبديه بن سلمان لخطة ترامب واستعداده لممارسة الممكن لإقناع الفلسطينيين والجانب العربي غير المتيقن إلى التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الخلافات وينتقل بالمنطقة لمرحلة بناء جديدة وعلاقات مختلفة، بل لضمان عقد تحالف مع اسرائيل لمواجة الزحف الايراني، ولذلك بدأ بنفسه بفتح أوجه التعامل الدبلوماسي مع دولة الاحتلال، كما عرض أن يدفع للسلطة الفلسطينية ثلاث أضعاف ما كان يدفعه بالسابق مقابل قبول عرض السلام بنفس الشروط المهينة التي يطالب بها نتنياهو، ويعتقد بن سلمان أنه بالتحالف مع اسرائيل العدوة الكبرى للفسطينيين والعرب سيقي بلاد العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية من المخاطر المحدقة بها في نزاعها الوجودي مع طهران، على الأخص بعدما تمددت سلطة طهران إلى كامل الهلال الخصيب في العراق وسوريا ولبنان على ما حذر منه ملك الأردن عبدالله الثاني بن الحسين في زمن سابق، وطال اليوم وجود ايران في اليمن في أقصى جنوب المملكة العربية السعودية، ويبدو أن دولة الاحتلال استطاعت بوعودها بتبادل المعلومات مع السعودية حول ايران أن تفتح باب المصلحة المشتركة بينهما، وفي هذه الحالة يخشى الجميع أن تزج دولة الاحتلال بالسعودية لخوض حرب مع طهران نيابة عنها رغم نفي الجهات السعودية ذلك.
يعيش الفلسطينيون حالة من الإحباط بعد تخلي العرب عن دعم قضيتهم العادلة واستعدادهم التخلي عن الفلسطينيين أنفسهم إن جاز الأمر في مقابل رغبة العاهل السعودي العمل مع دولة الاحتلال في مواجهة ايران، وشعورهم المغرق بأنهم باتوا وحيدين في مواجة أعتى الأعداء وأكثره خبثاً واستغلالا وتحايلاً.. ويتساءلون لأي أشكال الضغوط مستقبلاً سيتعرضون لقبول الشروط الاسرائيلية المهينة والمتجنية في صفعة القرن؟
في التصريحات الرسمية الأخيرة أكد رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير دفاعه ليبرمان ضرورة الإسراع بتوفير مظاهر الأمن لمواطني الدولة اليهودية في جنوب فلسطين تلك المطلة على القطاع، وايجاد الحل النهائي لتأمين سلامتهم، والوصول لاتفاق على تسليم جثتي الجنديين الاسرائيلين المحتجزتين في القطاع، ووقف التوتر المتطور على الحدود مع أهل القطاع الذين ليس من السهل كسر إرادتهم باستخدام أساليب التخويف والتهديد وقد وصلوا مرحلة اللا عودة عن قرارهم إلا بحل مشرف لا يستهين بهم وبإرادتهم ومتطلباتهم.
وهذا ما يجعل نتنياهو وترامب يلجآن للطبخ على نار هادئة معتقدين أنهما سيفرضان التسويات على ما خططا لها ورسموها مع بعضهما، فيما الفلسطينيون بكل الإباء يرفعون ورقة الفيتو خاصتهم أن لا تنازل عن حق العودة وحق الدولة على كامل ارض 67 ، والحصول على حليف لمواجة ايران لن يكون على حساب القضية الفلسطينية على ما يبدو أنه يضعونه في حساباتهم
وفي مهمة موازية فالحركة جارية على قدم وساق باتصالات حثيثة بين حكومة الاحتلال وحكومة جزيرة قبرص من أجل تأمين رصيف بحري خاص في جزيرة قبرص لاستيعاب السفن الضخمة التي ستحمل البضائع إلى قطاع غزة لإعمار القطاع وإعادة نبض الحياة فيه، خاصة بعد أن أثبت أهل القطاع أنهم بإرادة الصمود التي برزت فيهم ليسوا إلا أوتاد قوية من حديد لا ينثني، وبعقلهم الجبار يجعلهم الأقوى بما استطاع جهدهم بأن يبلوا البلاء الجماعي الحسن، وتقديم مئات الأرواح من الشباب المنتفض فداءا للوطن الأغلى، وابهارهم عدوهم قبل العالم بالعزم الجبار الذي يحملونه بين جنباتهم فداءاً لأرض الأجداد والشرف والحرية، وبأفكار وأساليب نضالهم الإبداعية المذهلة، والتسبب بهز المجتمع الاسرائيلي بالخسائر الباهظة داخل دولة الاحتلال وما تسببته طائراتهم الورقية البسيطة وبالوناتهم من حرائق في الأحراش والمزروعات من ممتلكات المستوطنين الذين ضاقوا ذرعا وضاج صبرهم.
تجتمع إرادة المجتمع الدولي وإرادة إدارة ترامب وإرادة حكومة الاحتلال على أن صفقة القرن يجب أن تشتمل على وضع النقاط الأخيرة في الحل الشامل مع جميع الأطراف، والاتفاق على المشاريع المستقبلية المشتركة التي ستجعل المصالح أيضا مشتركة من أجل فرض دولة الاحتلال كشريكة في المنطقة، والعقبة التي تضعها السلطة الآن لايقاف العجلة الدائرة ستبدو على هزالها مجرد لعبة لاظهار الممانعة لتجد حكومة عباس لها مسوغا في القبول في قناعات الفلسطينيين حين تفرض وقائع صفقة القرن ويصمت لها جميع العرب.
لكن هذا لا يمنع الرئيس محمود عباس وحكومته من الشعور بالتخوف من إظهار الشعب الفلسطيني لعملية الدعم حد التماهي مع أهل القطاع المناضل والجبار الذي أذهل العالم ورفع من قيمة نضال أصحاب الأرض وحرك الشوارع في دول العالم الغربي وأظهر دولة الاحتلال دولة النظام العنصري والاحتلال القهري والقتل بحق الشعب الأعزل، وهي ليس إلا دولة التحايل والكذب والغش، محمود عباس يخشى أن يظهر قائد حماس بصورة البطل فيسلب قلوب الفلسطينيين وتأييدهم.
وقطر تدخل من خلال مبعوثها في فلسطين في عملية تقريب المسافة بين أطراف الحل لهدف الخروج من الأزمة بأقل الخسائر وبتحقيق مكاسب مضمونة للافراج عن الضائقة الخانقة التي يعيشها أهل القطاع في ظل الحصار اللئيم، خاصة أن استمرار الوضع على ما هو عليه في القطاع لن يكون انعكاسه على جميع الأطراف إلا كارثياً.
الفلسطينيون ومعهم كثير من العرب الأحرار، يدركون أن السياسة المتبعة في تضييق الخناق المعيشي على سكان الضفة الغربية وسكان قطاع غزة، ما هو إلا سياسة تجويع تقوم وفق أجندات مدروسة بعناية، سيتبعها بلا شك فرض حل يجبرهم تحت ضغط الحاجات الإنسانية على قبول غير المقبول، كما بات يدرك الجميع أن محادثات السلام لم تكن منذ بدايتها الأولى سلاما بالمعنى المتعارف عليه، بقدر ما كانت تسليما واستسلاما لبنود تم التغطية عليها وعدم إظهار حقيقتها، وأنه كما السابق واللاحق ما زال العربي والفلسطيني بصفة خاصة يتعرض للغش والنفاق والاحتيال، ودهان الحصى بالوان الحلوى الزاهية ليظنها الرائي هي فلا قطع من الحلوى الشهية، هذا حال العربي في حقيقة كل ما تعرض وما يتعرض له من احتيال وتزوير وكذب للسيطرة على غضبته الكبرى، والتاريخ لن يغفل شيء من أوجه الحقيقة فالزمن حقا يداري المدارى لكن من عادته أن يظهره بحقيقته الفاجعة في يوم آت ويكشف حينها بشاعة الوجوه.
نأمل أن تنجح جهود دولة الكويت في دفع هيئة الأمم المتحدة المتخلية عن دورها الطبيعي في حماية الحقوق الإنسانية تجاه الفلسطينيين فيما يواجهون أعتى نمرود دولي يحتل أراضيهم ويمارس القتل بالدم البارد عليهم، في دفعها إلى طلب عقد الاجتماع الطارئ لإدانة دولة الاحتلال لارتكابها مجزرة الشباب العزل الاجرامية على حدودها مع القطاع، ولا تخذل الغزاويين الذين ينتظرون حقهم بالعدالة الدولية وداخل مؤسستها لتمنحهم حقهم العادل، وقد ارتكب بحق الغزاويين الحصار اللا إنساني ومجزرة الإصطياد الوحشية التي مارسها جنود احتلال مدججين بالسلاح ضد أصحاب الحقوق العزل رغم أنهم فوق أرضهم الحرة ، وتتخذ هيئة الأمم دورها في حماية قرار الاجتماع بعيدا عن هيمنة أمريكا باستخدامها قرار الفيتو الجائر، القضايا العربية تواجه تحالفا يمارس تجمعه بايقاع المظالم الجائرة على العربي في قضاياه فقط في زمن تتزعم كل القوى دولة أقل ما توصف بالعنصرية والانحياز.
ولفتت جلالة الملكة رانيا أنظار العالم إلى معاناة شعب قطاع غزة الذي يمارس عليه أبشع أشكال الظلم في زمن ترتفع فيه شعارات العدالة دونما تطبيقها على أرض الواقع، في مقالة قوية وصفت فيها الحالة الصعبة التي يجبر فيها الغزاوي بأن يتحمل بكل طاقاته الحرمان والضيق الاقتصادي والمادي وندرة الحصول على المواد الغذائية والدواء متحملا أقصى طاقات الصبر والتحمل التي يعانيها هذا الشعب أمام نظر وسمع العالم المتجاهل وغير المبال إنسانياً حول تلك الجريمة الإنسانية التي تفوق التصور، وتطالبه قسرا بالخضوع لقبول سرقة حقوقه عنوة وبأبشع الضغوط.
ِ
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
التعليقات
مقالك أصاب كبد الحقيقة .
بداية من العجز العربي عن قراءة بوصلة الأولويات بشكل صحيح والذي أدى إلى تشتيت الانتباه عن العدو الرئيسي الذي كان ولا زال يعيث في منطقتنا فساداً ودماراً وقتلاً وظلماً دون ادنى اعتبار لقانون أو عرف دولي أو ضمير ثم الانشغال بمعارك جانبية أو بالأصح وهمية بواسطة أجهزة اعلام جبارة قائمة على المغالطات المنطقية وحجج الأهواء والمصالح ..
ومن هنا أقول أن لا سبيل للخلاص إلا بالوعي أن تعي الشعوب أفراداً ومجتمعات أهمية أن تسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية حتى نتمكن من ادراك مكامن الخلل ونقاط القوة والضعف فنتخلص من قيود الاحتلال واليأس والإحباط وننهض بأنفسنا وأوطاننا .