أنا ... ونحن - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أنا ... ونحن

أنا ... ونحن

  نشر في 18 ديسمبر 2021 .

أنا ونحن

عندما نضرب أكباد الخيال في بيداء الفيزياء نتقاطع مع جزر الدهشة , نمتطي صهوة الجنون , ونرسل عقبان التفكير لتعود بطرائد المستحيل , إنها رحلة صيد للخيال الذي ألهم العظماء , وصاغ نظريات العباقرة , والتي حُرمنا منها إلا شزرا من خيالات باهتة , تتقوقع في ركن في أقصى غرفتك البسيطة , لتحاول اللحاق بعالم من الدهشة التي تداعبك الفيزياء بغبار باهت من سحرها الذي لا ينتهي , والذي لا يمكن أن تلاحقه أفكار البسطاء , خيالات تتجاوز أرضنا البسيطة لتحلق نحو السموات السبع وتخترق الأراضين السبع بما فيها من خلق لله لا ندركه , ربما تجذبنا خيالاتنا نحو المستقبل الذي لا نتصوره , ونحو حيوات لا نهاية لها , في تلك الفضاءات ألا نهائية من الأسرار تكمن تفسيرات بديهية لكل ما حيّر عقولنا اليوم وبالأمس , وربما في الغد القريب , ربما تغدو أعقد الأسرار والتعقيدات علاقات سطحية عابرة لا حيرة فيها , الغرق عبر تلك الخيالات يصاحبه غرق أكبر في ألا معقول , يصاحبه صراع بين قبول هذيان الخيال وبين عقولنا البسيطة , بين أن نأمل بأن خيالاتنا ستكون يوما ما واقعية وبين أن نصدق أننا نهذي لا غير .

هي دعوة خاصة لمن يتحمل هذيان الخيال , لمن يصدق أن للفيزياء (خزعبلات) قد تتحقق ذات يوم , وما أكثر تلك الخزعبلات التي كانت بالأمس القريب كذلك ثم فرضت وجودها بيننا .

في الواقع أن كل نظرية حديثة في الفيزياء لها جانبان , الأول علمي والأخر خيالي , وليس مهما من بدأت ولادته أولا النظرية أم تخيلها , وأكرر أن الخيال في الفيزياء هي قاعدة لأكبر عالم في هذا المجال وهو (آينشتاين) والذي قال أن الخيال أهم من المعرفة , ويمكن لنا أن نخضع الكثير من النظريات الفيزيائية الثورية لرحلة خيالية تكون غرابتها متوازية مع قدرة الشخص في التخيّل , فالسفر عبر الزمن , والانتقال الآني , وتجميد الزمان والمكان عن طريق زمن ومساحة بلانك , ووجود نسخ عنا عبر الأكوان المتوازية , وتحويل الأجسام إلى ذرات أثيرية قابلة للتغلغل عبر الأشياء , واستخراج الماضي بكل واقعه من تلافيف المخ , وغيرها الكثير والكثير من خيالات تسخير الطاقة ونقل المعلومات والتنقل بين الكواكب وعبر الكون , والتواصل مع كائنات أخرى , ومالا يدركه العقل والخيال نفسه أحيانا .

ربما لو استطعنا إخضاع بعض تلك الأفكار لخيالاتنا وانطلقنا نحو سياحة خيالية فيزيائية لن تكفي عشرات الكتب في تناول كل ذلك , هو بحر متلاطم من الأفكار والخيالات والصور الفاتنة والتي لا نهاية لها إلا بوصول الإنسان لمرحلة العجز عن التخيل .

البعض منا بعد أن يقطع شوطا طويلا في حياته تأخذه حينا من اللحظات يسترخي في لحظة ما وينظر خلفه قليلا , والكثير منا يتوقف عند فاصلة زمنية أبت إلا أن تنتصب قائمة بكل تفاصيلها الصغيرة فوق صفحة حياته السابقة , هي فاصلة مرت ذات وقت كضربة سيف قاطعة لم تترك له لحظة تأمل , أو لحظة اختيار , أو ربما هي أقدار لا مفر منها , غاب فيها العقل الواعي , ويسلم القرار للعاطفة حينا أو للحظة عابرة مجردة من العمق والتأني , وأخرين ربما مروا بالكثير من تلك اللحظات الحاسمة وفي كل مرة يسيئون الاختيار , أو هي أيضا أقدار كُتبت عليهم بالرغم من إحساسهم بخطأ ما في ذلك القرار , ولكن لو عادت تلك اللحظات مرة أخرى كما تأخذنا خيالات الفيزياء نحوها , هل سنصحح تلك الخيارات أم نقع فيها مرة أخرى وأخرى وأخرى ؟

هنا تذكرت أحد أفلام الخيال العلمي عن آلة الزمن , وكيف أن البطل فقد زوجته في حادث عربة خيل , ومن شدة بؤسه اخترع آلة الزمن ليعود فينقذها , ولكن في كل مرة يعود تموت هي بطريقة مختلفة , رغم تمكنه من إعادة صياغة الظروف في كل مرة إلا أن الموت كانت له الكلمة الأخيرة دائما , وكما قيل تعددت الأسباب والموت واحد .

والحكمة التي تنبئنا بها تلك الفلسفة في ذلك الفلم , أن العودة لنقطة البداية لن يغير في نهاية الأشياء , ولكن يبقى السؤال قائما , هل يمكن صياغة فلسفة أخرى غير تلك التي عرضها الفلم ؟

ماذا لو أراد المخرج أن يغير مصير الزوجة لتستمر حياة الزوجين بعد ذلك التدخل عبر آلة الزمن ؟

أي أننا لو استطعنا تحقيق فكرة العودة بآلة الزمن لتلك اللحظة الفاصلة بحياتنا والتي تسببت في سلسلة من المآسي لنا عبر مستقبل أيامنا , تلك اللحظة التي قد لا تتجاوز الثواني لتضعنا بين طريقين أحدهما قد يكون مجهولا ولكن الآخر الذي اخترناه ليس إلا سلسلة من المصائب والعثرات والحزن والندم , ألا يمكن أن يكون الطريق الآخر ربما أفضل وأقل كربا من الطريق الذي اخترناه ؟

نعم سيقول البعض هي أقدار كُتبت علينا ومن كُتبت عليه خُطىً مشاها , ولكن ما أسرده هنا هو محض خيال تحمله أكف الفيزياء نحو الفضاء الواسع .

وعبر أروقة أخرى في مدن الخيال , نمشي عبر دروب الأكوان المتوازية , ونقف عند اللحظة القاتلة التي أخطأت أنا في اتخاذها , ولكن أنا الآخر ثم أنا الآخر ثم أنا الآخر , وربما إلى مالا نهاية , أي أن (نحن) غيري قد اتخذوا قرارات مغايرة , فهل أملك القدرة على العودة ذات زمن لأكون غيري وأختار شخص من (نحن) لأختار مصيره الذي اتخذه بشكل مغاير ؟

ترى أي خيال يأخذني نحو حياة قد اتخذت فيها القرار الذي أتمناه اليوم ؟

عالمي ذلك لا حدود له , كل شيء مختلف (الحب , الزواج , الحالة الاقتصادية , الأصدقاء , السكن , الأطفال , العلاقات الاجتماعية , الصحة , وربما اختفاء الكثير من الآثام والأخطاء والقرارات الخاطئة ) .

أعرف ربما يقول البعض ربما ستكون حياة أسوأ , صحيح , ولكن الأفضل وارد أيضا , ومن حقي أن أتخيل الأفضل .

قد يمر البعض منا بأكثر من لحظة قرار مصيري , وقد يفكر بعضنا اليوم بأنه اتخذ قرارا سيئا ذات وقت , البعض مني (نحن) ربما عاش حياة سعيدة ورغيدة , وربما نال أعلى المراتب والمكانة في مجتمعه ذاك , (وبعضي) ربما عاش حياة بؤس وشقاء , وربما مات صغيرا , أو قضى عمره مريضا أو مسجونا , أو مشردا , أو مجنونا .

كم أتمنى أن أجتمع بهم ذات خيال , لنبدأ حكاياتنا من مفترق تلك اللحظة من الاختيار , فأرى أي حياة كنت أتمناها وعاشها غيري من (نحن) .

فقط عندها سأختار ذلك (الأنا) الذي سلك طريق أحلامي معها , فأنظر في تلك العينان التي حفظت ملامحها , وذلك الفم الذي قبلها , وذلك الأنف الذي شمها , وتلك الكفوف التي لمستها , وذلك الجسد الذي هرم معها (كما كنا نحلم سويا) .


  • 4

   نشر في 18 ديسمبر 2021 .

التعليقات

Dallash منذ 2 سنة
أحيانا نتحدث بصيغة الجمع عند حوارنا مع رفقة، ليس تفخيما ، بل لشعورنا أننا أكثر كثافة من أن يقول أحدنا "أنا"
1
adelmoleh
وربما لأننا أكثر من أنا ولا ندرك ,, تحياتي
Dallash
تحياتي اخي عادل

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا