سجيــن اللحظـــة .. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سجيــن اللحظـــة ..

قيمة الوقت هو إختبار للبشرية بأكملها فإما أن يتجاوزه الإنسان بالإدراك والعمل على إستثماره قبل أن ينتشله العمر أو يراه وكأنه لم يكن فيضيع ويضيع معه وجوده ..

  نشر في 18 فبراير 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 مارس 2024 .

كم تغير المعنى ! ..

لم يقتصر معنى القيد على سلاسل تقبض على أحدهم وتجره إلى مصيره المجهول خلف القضبان وحسب ! , بل تشكلت وإتخذت سبيلاً أخر في أنواع العذاب , تبدلت إلى قيود ولكنها قيود على هيئة دقائق وساعات ! , فقد تمكن الوقت من الإنسان تمكناً عنيفاً قاسياً لم يستطع الإنسان الفرار منه , بل لم يستطع إدراك حجم ما هو فيه من الأساس ! ..

هذه القيود لم تكن يوماً خيالاً , بل يتضح أثرها على حياة الإنسان منا يوماً بعد يوم أشد الوضوح , فالأمس كان يوماً قيدنا بلحظاته ودقائقه واليوم هو أمس الغد الذي لا تزال لحظاته قيد تصرفنا , والغد هو الأمل في أن نتخلص من قيد الزمن الذي لم نكن نود أن نقع في قبضة تملكه ..

الوقت ..

الذي هو رأس مال الإنسان في دُنياه , أصبح هو سجنه الأول , فالكثير منا اليوم لا يُدرك كم هي عظيمة قيمة اللحظة التي تنقضي , أو يُدركها بعد فوات الأوان ! , والكثير منا لا يلتفت لهذا الكنز الذي أهدته لنا الحياة دون أن تطلب مقابلاً له , وبين الليلة وضحاها تجد أن العمر يُسلب من بين يديك وأنت في تلك اللحظة السجين أمام إرادتك المُقيدة ! , أنت .. لا تعلم كيف تبدل بك الحال هكذا ؟! , بعد أن كانت ملامحك تشع توهجاً وتملئ الكون بأنوار شبابها أخذت تنطفئ رويداً رويداً وأخذت أنت تحزم أمتعتك إستعداداً لرحلة الرحيل مُعلناً نهاية شبابك وبداية شيخوختك ! .. كيف انقضى العمر بهذه المرونة والسهولة دون أن تشعر بصفعة اللحظة ؟! , و بعد أن تمايل جسدك في سُبل الحياة تتنسم من هنا السعادة ومن هناك تلتقط زهرة عُنفوانك ومن كل درب تحفر على أراضيه خطواتك القوية , كيف وجدتك الآن راقداً وكل أملك أن تجد من يجلب لك بعض المياة لتمنحك القليل من الحياة ؟! , بل من يجلب لك الحياة من جديد ! ..

بعد عاصفة من الذكريات .. منها التعيسة التي جرفت إنسانيتك معها , والسعيدة التي منحتك القدرة على الحفاظ على ما تبقى من هذه الإنسانية الثمينة , وبعد فيضان أيامك الذي منحك تجارب لم تتركك إلا بعد أن تلقنت منها دروس العمر , وكنت لها تلميذاً مجتهداً يتشرب المعنى تشرباً , الآن لم تدرك سوى أنك نجحت بإختبار الحياة الدنيا , ولكنك رسبت في أهم إختباراتها على الإطلاق ! ..

هي ليست بمجرد كلمات قد تُلفظ من إنسان على حافة الرحيل , قضى من العمر نحبه وهو على أتم الإستعداد للإنطلاق لرحتله القادمة , رحلته الأبدية .. وقد تقع على مسامعنا كل يوم ومع كل لحظة تُصادف فيها من نقشت الحياة على ملامحه علامات زمنها المتهالك , وعلى جسده دروبها , بل هي حقيقة من حقائق الحياة , وقلما من يُدركها حق الإدراك قبل أن يقصف العمر قوته وتوازنه , فكم ممن أضاع عمره وهو بأشد صلابته وقوته وإنطلاقه في سجن الوقت ! ..

تحسبه متحرراً وتجده في أبهى صوره ويتجول في الطرقات ويتنافس مع البشرية على أعلى المراتب ولكنه في الحقيقة مُلقى داخل سجن الزمن لا حول له ولا قوة ! , نعم هو يتقلب في نعيم منزله الذي بُني على أحدث طراز , ولكنه في الحقيقة مُنغمس في جحيم من نوعاً أخر ! , يتذوق ألوان من الألم ولكنه لا يشعر , وشعوره يتضح مع كل لحظة تنقضي ولا تعود , ومع كل لحظة لا تعود هو أيضاً لا يعود كما كان قبلها ! , فقد منحتنا الحياة فرصة واحدة لكي نتسلم منها هديتها المتواضعة ونُحسن إليها , فلم يكن الوقت مجرد لحظات تمر علينا وحسب , بل نحن من يمر عليها فنترك فيها أثرنا ..

لم يكن الوقت مجرد تعرجات تظهر على ملامحنا بعد كل يوم يتحلل , وحينما ننظر إلى أنفسنا في المرآة نُقسم بأننا قد كبرنا وأن العمر قد ولى وانقضى سريعاً فتُصيبنا الدهشة عما قد وصلنا إليه واليأس عما ينتظرنا ! , بل أن الوقت أكبر ومعناه أعمق من هذا , الوقت هو سلاحنا ضد الجمود , ضد السكون و ضد ما يعترينا من ملل وسأم وتعاسة , فلتطلق العنان لخيالك الآن وتتساءل / ما هو الدواء لكل هذه الحيرة التي تنهش في خاطري ؟! , لكل ما يُقيدني هكذا لدرجة الشلل حتى أفعل ما كنت أنوي فعله ! , تجد أن الإجابة تُختصر في كلمة واحدة : الوقت .

الوقت كالضيف .. إن لم تُكرمه صفعك !

أقوال مأثورة


أنا أمنح الوقت لذاتي إذاً أمنح الحياة لروحي ..

فنحن دون أن نشعر بمعناه لن نشعر بمعنى وجودنا ., أنت الآن تتنفس الوقت , تتغذى على الوقت , تُعايش الوقت , إذاً فالوقت هو المُحرك الأول لما أنت عليه وما ستصبح عليه , ودونه أنت التائة الغريب , كأنك الضائع في صحراء لا نهاية لها ودون " بوصلة " ترشدك كيف تسير وإلى أين المسير , الغريق وأنت الجاهل بفنون العوم , تخيل أن تنظر في ساعة الحائط الآن ولكنك لا تجد شيئاً ! , لا تعرف متى أنت الآن من عالمك ! , ولا يكفيك أن تجد شمس النهار فقط لتتيقن أنه الصباح , أو ضوء القمر فقط لتُقسم أنه ليلك , أين أنت ؟! , تخيل أن تعيش هذه الحالة كل يوم ولكنك لا تُدرك هذا !! , ولكنك تجد الوقت أمامك يُعلن عن الخامسة مساءاً أو التاسعة صباحاً , فتطمئن , ولكنها مجرد " خُدعة " من الزمن لك ! , فقد كان كريماً معك ولم يسلبك وجوده ولكنه أسلبك وجودك وأنت في هذا غافلاً ! ..

حينها وفقط نقول أنك قد وقعت في سجن الوقت وبحق ! , دون قيود تعتصر يديك , ودون ملابس رثة بالية لا تدل على شئ سوى أن صاحبها قد أذنب ذنباً كبيراً ويُعاقب عليه بأشد العقاب , ولكن خُدعة الزمن هي أن تأخذك على " خوانة " , تتركك تفعل ما تشاء وتحيا كيفما تشاء ودون أن تجد أي تغييرات قد طرأت عليك , ولكنه في لحظة من لحظاته ينتشلك من هذا كله ويقذفك إلى مظهرك وهيئتك وكيانك الجديد , وأنت في هذا الوضع تتساءل / كيف وصلت إلى هنا وكيف إنقضى عمري بهذع السرعة التي لم أحسب لها حساب ؟! ..

فتبدأ مرحلة جديدة من عمرك عنوانها : كيف ولِمَ ؟! ..

فقط تتقلب في التساؤلات , تحيا في سبيل أن تجد إجابة لكل ما يُعيق روحك عن الحياة , تضرب موجات الإضطراب كيانك ويشتد فيضان الهذيان بداخلك , تتأرجح بين / العمر حتماً ولابد أن يمر وما أنا عليه هو طبيعة الحياة , و , ولكنني بالأمس كانت قوتي أشد من أن تلهو بي تساؤلاتي هذه ! , كيف لي أن أكون بهذا الضعف أمامها وأنا من كان يُحطم أي فكرة تعبث بهدوئي ؟! ..

أنت محق , هي طبيعة الحياة , وهو كأس سوف يشرب منه الجميع دون إستثناء ولكن .. هل فكرت يوماً وأنت بكامل قواك البدنية والنفسية والعقلية بأن ما أنت عليه الآن هو إختبار ؟ , منا من ينجح في تجاوزه ومنا من لا يُلقي له بالاً ! , نعم , العمر ما هو إلا وقت يمر , ومعه نحن نمر , فهل أدركت قيمته قبل أن تجدك ضحية وفريسة للتساؤلات في زمن لا وقت لك فيه حتى لكي تجد إجابة تُريح بها عقلك المضطرب ؟! ..

تحرر من قيود الزمن , وتحايل عليه , فهو الآن يتحايل عليك بأنك تسير على النهج الصحيح ولكن الحقيقة بأنه قد أوقعك في سجنه عقاباً لك بأنك لم تُدرك معناه , ولن تفيق إلا في نهاية المطاف ..


  • 4

   نشر في 18 فبراير 2021  وآخر تعديل بتاريخ 08 مارس 2024 .

التعليقات

Fatma Alnoaimi منذ 3 سنة
"العمر ما هو إلا وقت يمر , ومعه نحن نمر ."
حقيقة
ربما ندركها متأخرين
مقال رائع واقعي جداً يلامس مانعيشه وربما البعض يدرك تلك الحقيقة بعد فوات الآوان .
3
نورا محمد
بالفعل استاذتي المبدعة .. صدقتِ في كلماتك .. هي الحقيقة الخفية عن أعين البعض , وإدراكها قد يكون المهمة المستحيلة للكثير مع الأسف .. والفائز هو من أدركها قبل أن ينال العمر منه ..
سعدت بقرائتك لكلماتي المتواضعة وزادت سعادتي بتعليقك الراقي :)
Dallash منذ 3 سنة
‏" لا شيء يؤذي الروح أكثر من بقائها في أماكن لا تنتمي إليّها ، المرء لا ينتمي إلى وقت ولا إلى رقعة ، فهو ينتمي إلى دواخله'

ابدعت رائعة جدا
2
نورا محمد
أبداعك هو الأروع دائماً أستاذي :) .. أشكرك شكراً جزيلاً على إهتمامك ..
Dallash
الشكر موصول لك ولنبض حروفك أختي الفاضلة الكريمة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا