التراث الإسلامي عند " محمد أركون " - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التراث الإسلامي عند " محمد أركون "

قراءة في الفصل الثالث من كتاب عزيز العرباوي بعنوان ( تجليات التراث في الفكر العربي والإسلامي: الجابري وأركون نموذجاً )

  نشر في 05 ماي 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

                                التراث الإسلامي عند " محمد أركون "

  ولد محمد أركون في الجزائر عام 1928م، وقد درس الأدب العربي والقانون والجغرافيا بجامعة الجزائر. واهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه الذي كان موضوع أطروحته . كما عُيّن أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي في جامعة السوربون بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الفلسفة منها ، وعمل كباحث مرافق في برلين وشغل منصب عضو في مجلس إدارة معهد الدراسات الإسلامية في لندن . توفي عام 2010م بعد معاناة مع المرض في باريس ودفن في المغرب .

  وقد كتب عن المفكر محمد أركون العديد من الكُتّاب والمفكرين والباحثين ، ويعتبر الكاتب عزيز العرباوي (  كاتب وباحث  مغربي ومهتم بالشأن النقدي ،  له العديد من المؤلفات  وهناك كتب رهن الطبع والنشر ولديه العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة بالدوريات المغربية والعربية و مشاركة في الندوات والملتقيات المغربية والعربية ) ، وهو من الباحثين الذين اهتموا بفكر محمد أركون وتجلى هذا في كتابه ( تجليات التراث في الفكر العربي الإسلامي " الجابري وأركون نموذجا " ) .

  في كتاب عزيز العرباوي تطرق في الفصل الثالث إلى التراث الإسلامي عند محمد أركون وأشار فيه إلى عناصر مهمة وحيوية، تستدعي التذكير بها، والإشارة إليها، وتسليط الضوء عليها من جديد، وهذه العناصر هي:

1- فكر محمد أركون:

  يتميز فكر محمد أركون بمحاولة عدم الفصل بين الحضارات الشرقية والغربية واحتكار الإسقاطات على أحدهما دون الآخر ، إنما إمكانية فهم الحضارات دون النظر إليها على أنها شكل غريب من الآخر ، وهو ينتقد الاستشراق المبني على هذا الشكل من البحث . يتميز طرح أركون الفكري على محاولة نقد أسس العقيدة الإسلامية على غرار المستشرقين حيث تتلمذ على المدرسة الاستشراقية ويورد كثيرا من المقدمات الخاطئة التي يبني عليها نتائج غير صحيحة .

  وللمفكر محمد أركون العديد من المؤلفات التي شكلت المهم من أبحاثه الفكرية التي تعنى بالتراث الإسلامي، فنجد كتاب ( تاريخية الفكر العربي الإسلامي)، وكتاب ( الفكر الإسلامي: قراءة علمية )، وكتاب ( قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم ؟) ، وكتاب ( من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي) .... وغيرها من الكتب والمؤلفات التي شكلت مشروعه الفكر في قضية نقد التراث الإسلامي.

2- تجليات التراث الإسلامي عند أركون :

  يرى محمد أركون أن مسألة التراث الإسلامي لم تعالج أبدا ضمن إطار التحليل والفهم الأنتربولوجي. فالنقد الاستشراقي لم يفعل إلا أن زاد من خطورة المنهجية الإيمانية الشكلية للمسلمين وتفاقمهما سوءا ضمن الاتجاه الأكثر فيلولوجية وتاريخوية . فأركون لا ينفي أهمية تتبع الأحداث من حيث التسلسل التاريخي لدراسة علمية تطورها أو تحديد السياق الذي انبثق فيه كل حديث نبوي والطريقة التي مارس دوره بها . فالبحث الأساسي والأولي ينبغي أن يتجلى في المنشأ التاريخي للوعي الإسلامي وتشكل بنيته المشتركة عبر عملية الخلق الجماعي للحديث النبوي. وبنفس المنهج يمكن مقاربة القرآن الكريم .

  فالإسلام كدين وتراث فكري ، قد استردّ في منظور أركون حيوية مطابقة لتسارع التاريخ في كل المجتمعات الإسلامية عموما ، فهو يلعب اليوم دورا مهما في عملية إنجاز الإيديولوجيات الرسمية،والحفاظ على التوازنات النفسية والاجتماعية ، وإلهام المواهب الشخصية عند الفرد المسلم .

  إن التراث عند أركون في فهمه وقراءته له، يأتي من خلال إنجاز روابط حية معه في إطار الاضطلاع بمسؤولية الحداثة كاملة .فإنجاز الحداثة بشكل ابتكاري يتطلب عدم الخلط مابين التراث التاريخي والتراث الميتولوجي الأسطوري .

  إن عملية تفحص الوعي الإسلامي قد قادت أركون إلى تسجيل الملاحظات التالية كنتائج مؤقتة:

- إن الوعي الإسلامي كان قد أسس من قبل القرآن، وغُذّي فيما بعد من قبل التأمل المستمر والطويل للرسالة القرآنية وللتجربة النموذجية "لمحمد صلى الله عليه وسلم" في المدينة ومحاولة تمثلها.

- الوعي الإسلامي كان قد عاش بكثافة واضحة الحالة التأويلية وساهم في إغنائها وإخصابها إلى حدّ كبير .

- الوعي الإسلامي كان قد اشتغل وتطور أثناء مرحلته التاريخية الأكثر ديناميكية وإنتاجا ، داخل الفضاء الإبستمولوجي الإغريقي – السامي نفسه ، تماما كالوعي اليهودي والوعي المسيحي .

- الوعي الإسلامي يواجه اليوم كل المشاكل وكل التوترات والأزمات المتولدة عن المجابهة مابين التراث الحي والحداثة.

- المواجهة مع الغرب الفاتح المتفوق كانت قد ولّدت إيديولوجيا كفاحية صارمة شوهت الطابع الأنطولوجي الخاص بالإسلام ، وعرقلت – ولا تزال- مهمة نقد التراث الحي التي لابدّ منها إذا ما أريد للمسلمين التحرر فعلا .

  إن مشروع محمد أركون في نقد الفكر الإسلامي يعتمد على مناهج فكرية وعلمية فرنسية على وجه الخصوص ، بحيث تحمل في طياتها مواصفات ومبادئ هي على النقيض من التفكير الأنواري والعقلاني الذي جاءت به النهضة الأوربية الحديثة ،بما في ذلك التعامل الواضح مع تراثها اليوناني والمسيحي ، بل وربما على النقيض من مقاصده هو نفسه والهدف من مشروعه الفكري.

  ويظهر لنا أن المشروع الفكري عند أركون والذي يتجلى في نقد العقل الإسلامي في تجلياته المختلفة والمتنوعة ، كما يتمظهر أيضا في نقد العقل اللاهوتي عند المجتمعات التي تدين بدين سماوي ما ، ويتوسع كذلك إلى العقل الغربي بنوعيه الأنواري والعولمي ، هو مشروع كبير ومتميز يلتقي فيه الموضوع بالمنهج فيقارب بالنقد كل العقول المتعددة والمواقع السياسية والفكرية والدينية ، ويعالج كل موضوع بمراجعة نقدية تأريخية وتاريخية وتقييمية فلسفيا وعلميا لمضامين الحداثة وأشكالها وأنماط تدخلها في جميع مناحي تمظهرها الفكري والعلمي .إن أركون في مشروعه هذا يوظف الحداثة أنثربولوجيا حتى يمنع عن الفكر الغربي التوغل في تعريفها عربيا .

وفي الأخير :

  قد ساهم محمد أركون في إغناء وبناء خطاب مستوعب لأسئلة التراث الإسلامي وعلاقته بالحداثة السياسية والفكرية بروح نقدية وجهد تجلى في المحاولة الفلسفية الجذرية التي تطورت وتنامت في مشروع نقد العقل الإسلامي . فلقد اختار طريق النقد الفلسفي الجذري متوقفا بصورة رئيسة حول مفهوم العلمانية ، وذلك بتحليله المرجعية الأنوارية لهذا المفهوم ، ومحدوديته التاريخية .

  لم يكن أركون ليتجاهل في مشروعه النقدي أن يحدد خصائص العقل الإسلامي ، بحيث تمكن من تحديدها على أساس أنه حدث لغوي تاريخي يستمد ذلك من التراث والتاريخ ، وعلى أنه متعدد الأبعاد والدلالات الفكرية والدينية التي تتجاوز مسألة القطيعة مع التاريخ ، مع التأكيد على التخلي على مسلمة التعالي وعلى الوضوح والانفتاح الجريء على التأريخ الإشكالي من خلال الاستعانة بمفاهيم تنتمي إلى مجالات معرفية وعلمية متعددة .



***********************************************

بقلم الباحثة : سـمـيـة غـريـب من الأغواط - الجزائر


  • 2

   نشر في 05 ماي 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا