فلسفة الخروج من المأزق.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فلسفة الخروج من المأزق..

  نشر في 21 شتنبر 2020 .

أن للكبت سيادة تفوق كل الأفكار والأشياء الصغيرة التي يمتلكها المرء والتي يظن أنها أثمن كنوزه بل أنها علامات وجودية تبرهن على حضوره ووجوده المادي، لكن على الجهة المقابلة فهي من المُلهيات التي تغشي العقل من التفكر والتشكيك. إن شعور الأمان الذي يعتري كل واحد منا عند وجوده بين أحبائه أو عند الحصول على مبتغاه، ليست إلا لحظة مؤقتة، فعندما تزول اللحظة سيزول معها شعور الطمأنينة الخادع بأن حياتنا ستدور كما قُدر لها، وهذا هو المطلوب.. علينا أن نستيقظ.

قديما وفي عصر التنوير قد وجد الفلاسفة أن الحياة الطبيعية الأولى للإنسان هي محض فقر و همج وأنها ما عادت تصلح لمجتمعات تريد التقدم والتحضر، فراحوا يخلقون أفكارا من ثم قوانين لتحد من حرية الإنسان وتحيل كل حرياته وممتلكاته إلى سلطة المجتمع  التي يسنها الأغلبية! من هم الأغلبية؟ أصحاب رؤوس الأموال؟ أصحاب النفوذ؟ أشخاص يظنون أنهم سيستطيعون التحكم في البشر الرعاع؟! ثم أن القوانين وُضَعت لحماية أصحاب النفوذ وممتلكاتهم والتلاعب بها لصالحهم أيضاً، وليس لتعدل بين الناس كافة.

قد صدق روسو عندما دافع بقوة عن حالة الإنسان الأولى، فقد كان أصدق و أطيب، كان مسالما يدرك هبة الطبيعة ويقدسها، فأين الإنسان الأول من الإنسان المتحضر الذي أصبح كالكلب المسعور يكنز المال طمعا ليصنع نفوذاً.. مدناً.. حتى يأتي زمنا ويصبح فيه فجأة من كبار المجتمع الدولي الذين يضعون الفروق وبناء الحواجز بين أهل البلدة الواحدة حتى أن بعضهم راحوا يحشرون أنوفهم لركب التاريخ عنوة؟! ثم نحن في أنظارهم كحبات الحصى لا نسوى شيء، لكن عند أول شرارة غضب منا، أو مصلحة فيها خرابٍ تجدهم يهرعون لمصافحة العدو طالبين الغوث والنجدة!

أين الإنسان الأول من الدمار المختوم بأياد بشرية؟ نحن قد خَلقنا لأنفسنا أطواقا لا قوانين تحضرية، قد خُلقت مجتمعات تبنت سياسات الشدة والحزم ووجب الرضوخ بدءاً من رأس السلطة وحتى شخصية الأب/ العائلة/ القبيلة، كل هؤلاء قد خلقوا لنا حواجز كلّ حسب أفكاره ومعتقداته التي أغلبها جهل في جهل، أن التحرر لا يُختزل في السلطة الحاكمة فحسب، بل من أدنى أنواع القهر القسري الذي بات يتعرض له الجميع دون استثناء، على غير الأمس حيث كان يُصيب البيئات الفقيرة والمهمشة.

كذلك التحرر من التعصب والتمييز بكل إشكالياته، تحرر بعض العقول التي لو نَاظَرت الحيوانات لكانت الأخيرة قد نطقت بالحق. أي حق؟ الحق أننا خُلقنا أحرارا، ذو إرادة حرة نعرف كيف نفرق بين السلطة العادلة والمستبدة،  لا الخضوع بشكل أعمى لكل ديكتاتور يظن نفسه نبي عصره. فروسو قد قالها علنية.. لو وجدنا أن السلطة قد فشلت في تلبية أهم احتياجاتنا يمكننا أن نغير القيادة حتى لو لجأنا إلى العنف، فنحن من جئنا بهم ونحن من يستطيع إزحاتهم.

الطريقة الوحيدة لمواجهة الخيبات المتوالية ، هي أن يعشق المرء فكرة الخيبة نفسها. إذا أفلح المرء في ذلك؛ لا يعود يفاجئه شيء يسمو فوق كل ما يحدث، يصبح الضحية التي لا تقهر. إميل سيوران. 

والخيبات التي يقصدها سيوران هنا هي تلك السجون الصغيرة التي تقبع فوق كل واحد منا مهما ادّعينا الحرية، لكن لنتوقف لحظة.. ماذا فعل لنا الادّعاء غير الاستسلام بأريحية مقرفة؟ كيف سنتماشى مع حقائقنا السوداء؟ هل سنحاول تقبلها كمصير أبدي حتى مجيء لحظة التغيير الإلهي؟!

أن فكرة التصالح مع الخيبات.. الفشل.. العجز، ليست حلاً متكاملاً، إنما التصدى لها بكل جوارحك في الوقت الذي تتقبله فيها هو المعادلة الغير منطقية، لكن للإرادة الحرة دوما طرقا و أفكاراً تجعل العقل يتوقف بغتة في خضم مآزقه، يتوقف ليلتقط أنفاسه التي يظن أنها ربما تكون الأخيرة من كثرة التراكمات، يتوقف ليعلن عن ثوران بركانه، فقد حان وقت الصراخ.. وقت تفريغ القمع والكبت، فللصرخة احساس يضاهي لذة الانتشاء. يقول سيوران عن شعور الصراخ.. 

لو كانت لي شجاعة كافية كل يوم، كي أصرخ ربع ساعة، لتمتعت بتوازن كامل.

تمرد، ثور وأصرخ، حينها فقط سوف تتبدى لك لحظة اكتشاف الخروج من المأزق، الخروج من طور الذل والانكماش، ولا تخشى من التبعات التي سَتُخلَّفها قراراتك، فأنت الآن قد تحررت من سطوة التحضر المزيف.

_ ولاء عطا الله



  


  • 12

   نشر في 21 شتنبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا