بلسميات - ١
رسائل تحمل طابع الخصوصية، اخترت منصة مقال كلاود لحفظها.
نشر في 14 يناير 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
سَهى شيئاً قليلاً وهو يدعو لوليده الرضيع، كما أوصته زوجته التي قتلته بالأمس مراراً كلّما انهارت في البكاء. كان يتظاهر بالتماسك أمامها لكن قلبه لم يكن أقلّ انهياراً.
وحين فتح عيناه، ينظر إلى نوافذ الطائرة من حوله، اكتشف أنّ الغيوم قد حجبت الرؤية خلالها وهي في السماء. بعد أن كان قد أغلقتهما على أشعة الشمس تنفذ للتو من خلالها، حين كانت الطائرة مازالت راسيةً على مدرج المطار.
كان متعباً تماماً من قلّة النوم، إذ لم يسمح له “بلسم” بأخذ أكثر من جرعات نومٍ متقطعة في آخر ساعة. قبل أن يرنّ المنبّه معلناً موعد النهوض والسفر إلى الدار البيضاء، من أجل اللحاق بالرحلة.
ربما أخبره حليب أمه إنه سيفتقد صدر والده طيلة ستة شهور، فأراد أن يفيض عليه والده ببعض الحبّ والعناق، ما يكون له زاداً. ويالشحّته من زاد!

اقرأ في هذا الصدد: حكايتي مع الكتابة
سيذكر تلك الليلة طويلاً. لعلها إحدى أطول ليالي حياته. كان بحاجةٍ ماسةٍ إلى النوم، لكن حاجته إلى ضمّ جسد ولده الغض كانت أكبر. كان يتلهّف على حمله كلّما تنهّد الرضيع في فراشه، مسابقاً أمّه الأقرب إليه.
من منهما كان الأحوج إلى الآخر؟ أكان الصغير أحوج إلى صدر والده كي يشعر بالأمن معه؟ أم كنت الوالد أحوج إلى احتضان رضيعه كي يشعر بالسكينة معه؟ لم يدرِ بالضبط. ربما احتاج كلّاً منا الآخر، كي يبثّ قلقه. يالها من أحاسيس استعصت على الوصف!
عاد فذكراً “بلسماً”، الذي لم يغب عن باله طيلة رحلته الطويلة الشاقّة، وهو يراقب مدينته “ميسيساغا” من الأعلى، أثناء هبوط الطائرة فيها. فتساءل: هل يأتي اليوم الذي أضمّك فيه ياولدي هنا؟
ما أشبه اليوم بالامس حين ودّع والديّه، يريد الهجرة الى كندا قبل عشرين سنة. يومها، أخذ يبكي في الطائرة كالطفل، ابتعاده عن أهله للمرة الاولى. واليوم يبكي سفره عن رضيعه الوحيد، ذو الأربعين يوماً.
“أرجوك فلذة كبدي، كن بلسماً لروحي كما أردتك ولا تكن جرحاً. فقد أعيتني الجروح.”
إن أعجبك الموضوع، فساهم في نشره. فإن عجزت، فشارة تشجيع إعجابٍ تكفي.
-
أقباس فخريلا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.
التعليقات
ربنا يبارك لك فيه .