يفعِمُهُ بالحياةِ في الوقتِ الذي يُضنيهِ فيه!
أتوق إلى قوةِ إبصارٍ تتجاوز هذه الحدود, وتقوى على أن تصل إلى العالمِ المصطخب, والمدن والأقاليم التي تضج بالحياة, والتي طالما سمِعتُ عنها دون أن تقع عليها عيْناي!...
نشر في 08 يونيو 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
كنتُ إذا خرجتُ بينَ حينٍ وآخر -وحيدةً-للنزهةِ في الحقول, أو لأسير حتى أبوابِ السياجِ الخارجي فأطل على الطريقِ العام, أو إذا ما صعدتُ سلالمِ طبقاتِ المبنى الثلاث حتى إذا بلغتُ السطح, سرِحتُ البصرَ عبر الحُقولِ والتِلالْ, وعلى طولِ الأفقِ المعتم..
ليلمني من يشاءُ إذا قلت إنني كُنت -إذ ذاك- أتوق إلى قوةِ إبصارٍ تتجاوزُ هذِه الحدود, وتقوى على أن تصلِ إلى العالمِ المصطخِب, والمدنِ والأقاليمِ التي تضج بالحياة, والتي طالما سمِعتُ عنها دون أن تقع عليها عيْناي!, ولكم كنتُ أصبو إلى مزيدٍ من التجارب العملية- فوق ما كان لديّ- وإلى مزيدٍ من مخالطةِ أبناءِ جِنسِي, والتعرف على أخلاقِهِم المُتباينة بقدرٍ يتجاوزُ ما كان يتاح لي في ذلك القصر… كُنتُ مُوقنةً بِوجودِ ألوانٍ أَخرى زاهية من الخيرِ والفضائل.. وكنتُ أرغب دائماً في معاينة ما أؤمنُ بِوجوده!
فمن ذا الذي يلومني على هذه الرغبة؟..كثيرون دونَ ريب, ولسوف أُتّهم بِعدمِ الرِضا, ولكن ما حيلتي وقد فُطرتُ على القلق, وكان هذا القلق يحتدِم أحياناً فيورثني الألم, ولا أجد خلاصاً منه إلا في أن أتمشى جيئة وذهاباً في رُدهةِ الطابقِ الثالث حيث تداخلني الطمأنينة والسلام وسط سكون المكان وعزلته, وحيث أترك عيْني تمتلئانِ بما كان ينبعث أمامهُما من رؤى مشرقة -ما كان أكثرها وأشدَّ تألقها- وحيث أدعُ قلبي ينسابُ مع الوجيبِ النشوانِ الذي كان يُفْعِمهُ بالحياةِ في الوقتِ الذي يُضْنِيهِ فِيه!.. وكان الأفضل من ذلِكَ كُلِهِ أن أفتحَ أذنيّ سرِيرتي؛ لأُصيغ السمعَ لقصةٍ لا تنتهِي قطْ. قِصةٌ كان ينسُجُها خيالي, ويرويها بِاستمرارٍ ودونَ انقِطاع, ويبعثُ فيها الحَرَكةَ المثيرة بما كان يضمنها من أحداثٍ, ومن حياةٍ, ومن عاطفةٍ, ومن إحساس.. ومن كل شيءٍ كنت أشتهيه ولا أجده في حياتي الواقعية.
.Charlotte Brontë, Jane Eyre-
-
Rafifاخصائية نفسية مهتمة ببحوثِ ومستجداتِ علم النفس, وبالأدب والسرديات.