الضبط السياسي للصدق والمصداقية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الضبط السياسي للصدق والمصداقية

ضبط السياسة لحرية الإعلام

  نشر في 25 أكتوبر 2016 .

مرة أخرى، نتساءل عن حقيقة المكاسب التشريعية والقانونية المرتبطة بقطاع الإعلام في الجزائر، والتي صدرت بهدف تعزيز حرية الإعلام وظيفيا وعضويا، هذا إذا اعتبرناها مكاسب بالمعنى الاصطلاحي الدقيق خاصة على ضوء مستجدات الواقع الإعلامي الراهن، الذي كشف عن عمق الأزمة المفتعلة بين السلطة السياسية وبعض منابر الإعلام الحرّ، التي لها حضور قوي ومشرّف وتفاعل متميّز مع عديد قضايانا المحلية والوطنية فضلا عن القضايا الإقليمية والعالمية.

الخبر تجربة إعلامية لا تستحق ما يحصل لها

علينا أن نعترف بأن الخبر كمنبر إعلامي أو كمؤسسة إعلامية صنعت جانبا مُهمّا، مشرقا ومميّزا ومحترما من تاريخ الإعلام المكتوب في الجزائر لا مناص من إقراره والاعتراف به، إنْ على المستوى الرسمي السياسي والإعلامي أو على المستوى الجماهيري أو حتى على المستوى الأكاديمي الذي تُمثل فيه تجربة الخبر ميدانا مناسبا ومرتعا خصبا للبحث العلمي.

لا أريد أن أربط كلامي عن الخبر فقط بسبب ما تعيشه اليوم من منعرج خطير يضع حرية الإعلام في الجزائر على المحك؛ لأن صراع السلطة مع الخبر ليس بالجديد بدليل التضييق غير المبرّر الذي تشهده منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي (1998) في مجال الإشهار دون جريرة أو مُبرّر.

وحتى على فرض أن الصفقة التي جرّت الخبر إلى أروقة العدالة صفقة غير قانونية، فهل كان جزاء الخبر إلا الإحسان ؟. هل تستحق الخبر هذه المعاملة المبتذلة ؟. هل هكذا يمكن صناعة إعلام مهني ومحترف تفخر به الجزائر وتفتخر بانتهاج سياسة التضييق والتكميم ؟.

الضبط السياسي للإعلام عقبة الإعلام الحرّ

إن مشكلة الإعلام في الجزائر لم تقتصر يوما على غياب الإطار القانوني المناسب الذي يرعى العملية الإعلامية وتنتظم وترتقي به، بقدر ما ترتبط أيضا بحقيقة الإرادة السياسية للسلطة التي لم تتضح بعدُ معالمها ومراميها رغم الخطاب الرسمي المروّج له، إنْ كانت تريد أن تُكرّس لإعلام الكلمة الحرّة التي لا تتأثر إلا بالحقيقة ولا تتفاعل إلا مع رسالة الصدق والمصداقية، بعيدا عن الإعلام الموجّه.

لا يمكننا أن ننسى مكسب التعددية الإعلامية الذي أقرّه قانون الإعلام لعام 1990، والذي لم ير النور إلا في مجال الصحافة المكتوية التي لم تقو عديد العناوين منها على البقاء طويلا لسبب أو لآخر، كان بعضها بسبب التضييقات التي مورست عليها بشكل لا يُترجم تطلعات الأسرة الإعلامية التي ظنّت القانون مكسبا لكنه تبين سرابا بقيعة يحسبه الظمآن إذا رآه ماء.

إن حرية الإعلام في الجزائر لا تصنعها قوانين وتشريعات فحسب، بل للسياسة أبضا نصيب ودخل ومدخل وتأثير واضح في تجسيد ذلك من عدمه، هو حال الواقع الإعلامي الآني في الجزائر، فاليوم نحن نتساءل، دون خلفيات أيديولوجية ضيقة، عن مصير سلطة الضبط الإعلامي (في الصحافة المكتوبة والسمعي البصري) وما يُروّج بشأنها، وهل يُمكن أن تلقى مصير المجلس الأعلى للإعلام الذي وُلد ميتا وإن عاش بعدها زمنا لا طائل منه، بعد وَأْدِهِ لاعتباراتٍ غير واضحة (سياسوية) ؟!.

في سياقٍ متصلٍ، ورغم استبشارنا خيرا باستحداث سلطة الضبط، إلا أننا متخوّفون من أن تكون سلطةً للتضييق الإعلامي بالنظر إلى مؤشرات الواقع الراهن، الذي التبس فيه مفهوم الضبط مع التضييق، فصار عنوانا له ومئنّة دالة عليه، وما يحدث اليوم من ضبط سياسي للإعلام يُؤيّد ذلك ويُؤكده.

إن دفاعي عن مؤسسة الخبر الإعلامية لا يعنيها فحسب، بل يستهدف الكلمة الحرة التي تمارسها أيّة وسيلة إعلامية أخرى، وتهدف إلى تنوير الرأي العام وإطْلاعه بمستجدّات واقعه الراهن، وما يدور حوله من حقائق تتطلّب كشفها وتعريتها كما هي بعيدا عن أيّ شكل من أشكال الإثارة بألوانها المختلفة.

كأيّ مواطن جزائري، والحمد لله لست مُتحزّبا لأحد، ولست متخندقا في حزب أحد، ولست تابعا لأيّ أحد مواليا كان أم معارضا، لكن أنظر إلى ملف الخبر بمنظاري ومن زاوية رأيي المقلّ، وانطلاقا من قتاعاتي الشخصية؛ أرى أن ما يُؤلم في الموضوع ككل: هو حرية الإعلام في الجزائر التي لا يُمكن حمايتها بقوانين تُداس بجزمة السياسي، هي الآفة التي تئِنُّ عددٌ من القطاعات بسببها، كما هو الحال بالنسبة إلى التعليم، القضاء، الإقتصاد، الرياضة، الثقافة...وغيرها.

إن الخبر اليوم تدفع ثمن صدقها ومصداقيتها؛ وهي في رأيي كما مثيلاتها تضرب لنا مثلا بمن يقف بين خيارين في معركة الصدق والمصداقية: إما أن يقف موقف الصخرة الصّمّاء القابعة في عمق الأرض أمام السيل الجارف، فيهلك دونها، وإما أن يكون غثاء كثغاء هذا السيل يجرّفه ويسحبه حيث يذهب، وإن هوى به على شفا جُرْفٍ هارٍ، يهوي به في مكانٍ سحيقٍ لا تقوم له بعده قائمة ولا يُعرف له فيه قرار.

كتبه:

د- عبد المنعم نعيمي

كلية الحقوق- الجزائر 1



  • عبد المنعم نعيمي
    وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ
   نشر في 25 أكتوبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا