هل كان يجب أن يحدث كل ما حدث لنتذكر خلاصات دروس المجاز التي حصيت في تعابير "انهار من الدماء" .. "مقبرة الأحياء" ؟
بعد ما كنا على يقين من استحالة وجود نهر من الدماء فكيف يكون؟ أصبحت هذه التعابير في وقتنا الراهن لا تجدي نفعا.. فهل حقا عجزت اللغة و القلم على وصف ما يجري في حلب ؟
وانت تمشي بشوارعها تتساءل كيف سأعبر من هذه الانهار؟ أ آخد مركب "الدماء" ام اطلب المساعدة من العدو؟
نجد اطفالا يرسمون طيورا مهاجرة بالدماء المتناثرة ؛ متمنين لو كانو مكانهم لاستطاعو هم ايضا ولو لوهلة تذوق طعم "الحرية" .."كلمة تذكر فقط في المؤتمرات العالمية وتنسى في الطلعات الجوية".
ما حدث لم يكن كارثة طبيعية بل هو نتاج لاخطاء اعتمدها التاريخ كصلة وصل بينه و بين التمثيل السياسي الذي يتخد اسلوب القمع غايته المثلى ... وربما كان ذلك لينتج مصائر مختلفة تلزمنا على التفكير في مسار جديد مبني على اختياراتنا و على درجة تشبتنا بامل النهوض و المقاومة.
أليس عار علينا؟ ان نجلس في الزوايا المنفية منتظرين نشرة الاخبار لنحصي كم من لوحة فنية رسمت بدماء الشهداء و بيعت بأثمنة خيالية ..
لا نملك أن نغير من الواقع شيئا.. بل لا نزعم حتى على التفكير في المستقبل القريب.
حلب التي كانت تدعى بلد العلم ومأوى الراحة والطمأنينة اصبحت فجأة مقبرة للأحياء، فقد بات الموت يزور سكانها كل يوم..كل ساعة ..كل دقيقة ..بل كل ثانية ، يتجول بطرقاتها ويقامر على من سيزور اولا.
فكيف؟
اصبحت القلوب قاسية لدرجة ان ترى طفلة داخل غرفة العمليات الموجودة بحيها و مصابة برصاصة و اذا بالاطباء يطلبون منها ان تقرأ آيات من القرآن الكريم لعلها لا تتألم وذلك نظرا لعدم وجود "المخدر"
وكيف؟
لنا ان نتقبل تبلد الحياء؟ وتآمر الخبثاء؟
سيكتب عن حلب من قبل الكتاب ، وسينشد الشعراء شعرا حزينا لوصفها و ستنسى!
تنسى كما نسيت قرطبة سابقا،ستضيع الكلمات بين ابوابها كما ضاعت غرناطة وتسقط اخيرا كما سقط الضمير العربي؛ اما القضية الفلسطينية فقد اصبحت من القضايا العادية؛ مع انها تدمر بفنية..
الا نرى اي تشابه ؟ تشابه الظروف والمصير ايضا، الا انه اتسم ببعض التغييرات لكونه يبث في القنوات الفضائية مزين بعبارات تشهيرية لاثارة نظرة المشاهد ولجعل قلوبنا تتألم باحتشام...
نحتاج ان نصنع العقول ، نصنع الفكر الحقيقي اولا، نتعلم كيف نصيغ حياة وحاضرا ومستقبلا.. نعي مبادئ التضحية جيدا!
التضحية نعم، وان لم تكن قادرا على التضحية بدمك وبنفسك فضحي بأفكارك ، باسلوبك وبدعواتك..
لا تتركونا نختنق ، فحقا هذا الخناق بدأ يضيق علينا شيئا فشيئا، منتظرا ان نلفظ انفاسنا الاخيرة ليتلذذ بهزيمتنا وبأرواحنا..
والى هذا الحين ، فسلام على دنيا تسحق الضعيف وتعلو بالقوي.
"معك الله يا حلب"
-
رحاب اعمارةنكتب، لعل ماكتبناه يشهد لنا يوما.