من العبث الا تكون نسويا في وطنٍ عبثي..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من العبث الا تكون نسويا في وطنٍ عبثي..!

بقلم- زبيدة عاطف

  نشر في 18 مارس 2022 .

حين تغلق أبواب مترو عربة السيدات...

بشعرٌ غجري وجسدٌ ممشوق وفق معايير تلفازية وسماعات أذن ترافقها في كل مكان، تراها جالسة في نهاية كل عربة مترو "مخصصة للسيدات"، تنتقل من مكان لآخر تبذل جهودا كثيرة بأموال قليلة، لا يهم فهي الآن تستثمر في ذاتها بحثا عن الاستقلال، تنهال عليها دروس الحياة في كل خطوة تخطوها، فلم يخبرها أحد أن الاستقلال لا يقود بالضرورة إلى الاستقرار، فالاستقرار هو لغة الروحانيين في تقديس المادة، أما عن الاستقلال وتحقيق الذات، فهي مصطلحات لا تغذي سوى انفرادها، ولا تزكي سوى احساسها بقدرتها على التغريد بعيدا عن السرب، تجد نفسها أسيرة قطبي مغناطيس لا يلتقيا، بين قطبٍ شماليّ لفظ عاداتٍ انغرست في أساسه، وقطبٍ جنوبيّ لم يألف ما يدور خارج مجاله.

تنحصر الصورة عن وجه زائرة "المترو" الدائمة لتنتقل إلى مشهد آخر لروح هائمة أخرى، تنطلق صرخة المخرج معلنة "كلاكيت" بداية جديدة وشبيهة بسابقتها، وتنقشع سحابة كثيفة من الدخان، يظهر ورائه ما يبدو طيف فتاة بريئة الطالع..أم أنها شبح امرأة لعوب! تلقي بالسيجار بلا مبالاة قبل أن تسابق الزمن لتلحق بعربة السيدات، تجدها دائما واقفة بجوار الباب تستقبل النظرات المحلقة بها بنظرة تحدي يشوبها نظرات استهزاء، وفي داخلها سائمة واقعٌ يعتليه النظرات الحاكمة أملاً في مستقبل لا يشبه ماضيها أو حاضر ذويها من النساء، تحلق في فراغ الأنفاق المظلمة بنظرة شاردة في كل الحروب التي لم تخضها بعد، آمنت بحرية الملبس ولكنها اختارت لستايلها الرياضيّ "الكاجوال" أن يعبر عنها، ربما أرادت به محي وصمة عار السيجار في يدها ونفي كونها لعوب، احتقرت كل رب عمل حكَر قدراتها وحصرها في شباب زائل وجاذبية زاعقة، ربما ذاع صيتها في بيئتها التقليدية وأصبحت علكة يلوكها الكبير قبل الصغير، ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة في هذه الألفية، أتقنت فن الرفض وكسر كل قضبان القفص، ومع ذلك تجاهلت قيمة التزامن، فلم يخبرها أحد متى تقول لا ومتى لا تقول، يقولون إذا أردت أن تحيا فعلى قدميك أن تطأ ما بعد حدود راحتك، ومرة أخرى لم تعلم لأين، فتارة تجد نفسها تسبح في فضاء بلا حدود وبلا قيود، وتارة أخرى تجد روحها حبيسة مشاعرها وذكرياتها في القفص، فلا يتسنى لها نسيان كونها "تاء مربوطة" إذا فُكت ربطتها فقدت جيرانها وذويها.

ما وراء الأبواب...


تنطلق صفارة الإنذار مرتين وتغلق أبواب المترو في الثالثة، لتنبعث من جوانبه ثلاث سيدات يحملن "شنط" عملاقة فاق وزنها ثقل الأيام الواقع عليهن، يختبئن من حراس الأمن قاطعين أرزاقهن و ينصهرن وسط الركاب في كل مرة يقف المترو بأي محطة، ثم تلعلع أصواتهن فجأة معلنين بداية يوم جديد برزق جديد، تتراوح منتجاتهن من الإبرة للصاروخ لكل ما يهم أو لا يهم النساء من جميع الطبقات، تعلن إحداهن عن تنوع الأشكال ومنتجات الدهب الصيني التي تبيعه، ناهيك عن حرق أسعاره عن الأسواق الخارجية، تلمع عين أم بسيطة وهي ترى نفسها متلألئة في بيتها بكل هذه الذهبيات وبعشر جنيهات فقط، تصطاد بائعة أخرى النظرات الفضولية لصاحبة الشعر الغجري، تفرش أمامها مجموعة متنوعة من "التوك" و "الكابات" و أيضا "السكارفات" الملونة المبهجة، ولا تنسى أن تكرر على مسامعها أن كل هذا وأكثر ب خمس جنيهات فقط للقطعة، ولا تيأس إحداهن -الباعة- قبل أن تبيع بكل عربة لزبونة واحدة على الأقل، وفي بعض الأحيان إذا اجتمعت أكثر من بائعة في عربة واحدة تسوق كل واحدة للأخرى، راسمات صورة بديعة للمثل الشعبي المتداول "اللي ياكل لوحده يزور"، ومن عربة إلى أخرى يتنقلنّ دون كلل ولا تأفف، لا يعبأن بتغير الأجواء المناخية و تقلب الأجواء الأمنية، لا يعطلهن ثقل الحقائب ولا تداعي أعضاء جسدهن، لا يلبين سوى لنداء الرزق كي يعولوا بيوتهن.

يطلق مخرج الفيلم صرخة النهاية ولسان حال مشاهديه "رسمت خطوط الحكاية دون أن تضع بداية لنهايتها..!"


هكذا إذن بدت مغامرة تسلق النظام الهرمي، هرمٌ تربع على قمته كل ما هو "ذكر" واكتسب مكانة الإله على كل ما دناه، ومنح نصفه الآخر "المرأة" مكانة نصف إنسان.

المرأة نصف إنسان..!


ومن صراعات بدائية على سلطة وهمية في عقول محتكريها إلى حقوق تسترد يوما بعد يوم لطرف لم يعد مغلوب على أمره وصولا إلى اليوم، تستيقظ النساء كل صباح مدركات أن العمل لم يعد رفاهية بعد اليوم، فهو سلاحهن الأوحد ضد جور التسلسل الأبوي، ولا يعني هذا أن العالم الخارجي يستقبلهن بالأحضان، فالشارع لا يرحم صغيرا ولا كبيرا، ولا يتأنى في معاقبة نسائه على مظهرهن وسلوكهن و على منافستهن الرجال في سوق العمل، ولا يهم إن كنت بائعة في المترو أم مندوبة مبيعات في أكبر الشركات، وبرغم كل هذه الصعاب لا تزال النساء يحملن مسؤولية قيام الأسرة على عاتقهن.


المستقبل امرأة.. 


وتزايد عدد الأسر المفككة في الآونة الأخيرة بالفعل سببه الرئيسي هو زيادة تمرد النساء، ومع ذلك هذا التمرد كان شرا لا بُد منه، لطالما كان تربع الذكر على قمة النظام الهرمي وتحويله لنظام أبوي نتيجة تفوقه الجسدي والاحتياج الشديد لتلك القوة الجسمانية آنذاك لندرة التكنولوجيا، أما في عصرنا اليوم فالاعتماد على الجهد الذهني و القوة العقلية اجتاز القوة الفيزيائية، ولأن الحياة عادلة فقد تساوى الرجل والمرأة في تلك القوة وبرغم ذلك لم يتخلَ عن سيادته وكونه الآمر الناهي، ومن هنا كانت المحاولات لزعزعة السيطرة الذكورية والاستقلال بعيدا عن سلطته، وما أدى لكل هذه الفوضى هو رفضه لإعادة توزيع الأدوار ورفضه الاعتراف بالأمر الواقع، فالذي يدفع النساء في جميع الأعمار للتعامل مع الشارع الخارجي بكل صعوباته الجسدية والنفسية لا بد أن يكون سبب قهريا جوهريا، والذي أدى بهن إلى كل ذلك التيه هو النبذ المجتمعي المستمر داخل البيت وخارجه، وتخييرهم المتواصل إما الخضوع والاستسلام مهما بلغت عواقبه وإما فقدان جنة العائلة ونعيم تكوين أخرى خاصة بها.

"النسوية" تسلق لهرم الأبوية أم عودة للعشوائية العشائرية..!

نشأ النظام الهرمي كتنظيم لعملية نشوء الدولة وتنظيم العلاقات، فهن لا يسعين إلا لمحو صفة الأبوية التي اكتسبها ذلك الهرم، وإعادة توزيع الأدوار بما يضمن التكامل الإنساني بين الجنسين، والمساواة الحقيقية تقع بين "النسوية السامة" والتي طالت مطالبها بضع مظاهر الحضارة، فإذا كنت سيدة فقد اكتسبتِ الحقوق التي أمنحها إياكِ فحسب.

وحين أفاقت نساء القرن التاسع عشر و طالبنَ بإنسانيتهن كاملةً، سُنّت السكاكين الحادة في وجههن، فتارة يواجهن بالنبذ و العزل وتارة يواجهن بالكبت والقمع، ولكي تمنح تلك السكاكين شرعيتها، أدخلوا الخاضعين لسلطتهم جنة الآخرة ونعيمها.

ولا يخفى على أحد تفوقهن عن ما نملكه-من حقوق-اليوم في دول العالم الثالث، تفوقهن للحد الذي أدى في بعض الأحيان لما يُعرف ب "النسوية السامة"، فقد طالت بعض مطالبهن بضع مظاهر الحضارة، فهل العودة للعشوائية العشائرية هو النهاية المرجوة؟

بعض مظاهر النسوية السامة


في الصراعات دائمة التوهج، تطول النيران الأخضر و اليابس معا، وربما النار هي العلاج الأوحد لأراضٍ تغلغلت في جذورها العفن حتى تشبعت، لعل في نزوعنا إلى فطرتنا الحيوانية تطهير لشوائب الحضارة التي تغمرنا الآن و بداية لحضارة تليق بإنسانيتنا...لعل النهاية هي البداية الأجدر.




   نشر في 18 مارس 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا