........ " بسم الله الرحمن الرحيم " ........

                (( البيوتيقا ))

     ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ، ﻧﺤﻤﺪﻩ ﻭﻧﺴﺘﻌﻴﻨﻪ ﻭﻧﺴﺘﻐﻔﺮﻩ ، ﻭﻧﻌﻮﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺷﺮﻭﺭ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ، ﻭﻣﻦ ﺳﻴﺌﺎﺕ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ، ﻣﻦ ﻳﻬﺪﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﻣﻀﻞ ﻟﻪ ، ﻭﻣﻦ ﻳﻀﻠﻞ ﻓﻼ ﻫﺎﺩﻱ ﻟﻪ ، ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ، ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍ ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ .

ﺃﻣﺎ ﺑﻌﺪ :

     أهلا وسهلا بأصدقائى الأعزاء على قلبى ويعلم الله تعالى قيمتكم الغالية على قلب شخصي الفقير والعبد الضعيف الساجد لله ذو العزة والجلالة والإكرام ..

     البيوتيقا .. بالرغم من صعوبة هذا اللفظ إلا أن دراسته فى متناول الجميع وتطبيقه على الحياة العملية غرض هام فوق كل تصور ..

     أغلب الدراسات التى قرأتها فى هذا المجال أكاديمية بحتة ولغة بحثية صعبة الفهم .. وسأحاول فى هذا المنشور الوصول إلى أقرب نقطة من خلالها نصل لفهم أفضل إن شاء الله تعالى ..

     بكل بساطة البيوتيقا له أكثر من مصطلح آخر يدل عليه ( الأخلاق البيولوجية - الأخلاق الطبية - الأخلاق البيوطبية ) مصطلحات كثيرة نختصرها فى لفظ واحد البيوتيقا ..

- حتى نستطيع أن نتعرف على هذا العلم عن كثب يجب علينا معرفة ماهية الأخلاق التطبيقية ..

الأخلاق التطبيقية : هى مجموعة من القواعد الأخلاقية العملية التى تسعى لتنظيم الممارسة داخل مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا وما يرتبط بها من انشطة اجتماعية واقتصادية ومهنية.

     كما تحاول ان تحل المشاكل الاخلاقية التى تطرحها تلك الميادين اعتمادا على مايتم التوصل الية بواسطة التداول والتوافق وعلى المعالجة الاخلاقية للحالات الخاصة والمعقدة او المستعصية .

- إذا ما علاقة البيوتيقا بالأخلاق التطبيقية .. البيوتيقا هى أحد فروع الأخلاق التطبيقية وقد استخدم لفظ البيوتيقا لاول مرة عام 1970 من قبل العالم الامريكى فان بوتر المتخصص فى طب السرطان حينما كتب مقالا بعنوان " البيوتيقا علم البقاء " وقد ظهرت عدة تعريفات لهذا العلم الجديد فى الاخلاق التطبيقية منها :

- تعريف الفيلسوفة الفرنسية " جاكلين روس " فى كتابها " الفكر الفلسفى المعاصر " فالبيوتيقا فى وجهة نظرها هى ( علم معيارى يهتم بالسلوك الانسانى الذى يمكن قبوله فى اطار القضايا المتعلقة بالحياة والموت وهو يشتمل على دراسات تجمع بين تخصصات عديدة تهتم جميعا بمجموعة الشروط التى يتطلبها التسيير المسئول للحياة الانسانية فى ظل التقدم السريع والمعقد للمعارف والتكنولوجيا الحديثة للطب والبيولوجيا )

- وتعريف آخر للمفكر ديفيد روا مدير مركز البيوتيقا بمونتريال " بانها الدراسة متعددة الاختصاصات لمجموعة الشروط التى يؤمنها التسيير المسئول للحياة البشرية او للشخص البشرى فى اطار التطورات السريعة والمعقدة للمعارف والتقنيات البيوطبية " وهناك الكثير من التعريفات الأخرى التي للأسف لا يسعنا الحديث عنها فى هذا المنشور لكثرتها ..

- لكن من المؤكد أننا من خلال التعريفيين السابقين توصلنا إلى مدى أهمية هذا العلم والذى عُقدت الكثير من المؤتمرات فى مختلف عواصم العالم وشُيدت من أجله الكثير من المراكز والأكاديميات البحثية المتخصصة فى هذا المجال فالبيوتيقا هى الدراسة الفلسفية للجدل الاخلاقى الذى اوجده التقدم الكبير الذى احرزته العلوم البيولوجية والطبية وماترتب عليها من اشكاليات ومسائل اخلاقية لا تتعلق فقط بمجالات علوم الحياة والتكنولوجيات الحديثة فى علم الطب بل ايضا تتعلق بمجالات عديدة اخرى مثل : السياسة والقانون والدين الى جانب الفلسفة فالاخلاق البيوطبية ( البيوتيقا ) ليس المقصود بها فقط اخلاقيات الطبيب او اخلاقيات عالم البيولوجيا بل المقصود بها ايضا اخلاقيات التطبيقيات البيولوجية والطبية ذاتها والنظر فى المشكلات التى ترتبت على هذة التطبيقات وهى كلها تدور حول حدود التدخل الانسانى فى مواضيع شديدة الحساسية مثل :

1ــ الانجاب والتحكم فيه ومدى مشروعية عمليات مثل الاجهاض والاتجار او التبرع بالسائل المنوى واقتراض تاجير الارحام .

2ــ مدى مشروعية تعقيم المعاقين والتدخل لتحسين النسل وعمليات التحول الجنسى .

3ــ نقل الاعضاء بين الاحياء والموتى ومدى مشروعية الاتجار بالاعضاء وتبعات ذلك .

4ــ مدى مشروعية التجريب على الاشخاص والاجنة والانسجة البشرية مثل الخلايا الجزعية العصبية سواء المكتملة والمشروعة فى بلدان العالم أو الغير مكتملة والمحظور دراستها وذلك لأنها لا تأتى إلا من خلال أجنة لا تتعدى أعمارهم الثلاثة أشهر داخل أرحام الأمهات ومن أجلها يتم الإجهاض .

5ــ مدى مشروعية الاستنساخ عموما والاستنساخ البشرى على وجه الخصوص .

6ــ القتل الرحيم او ما يعرف بالمساعدة على الانتحار .

7ــ الاشكاليات المترتبة على عمليات التجميل وخاصة تلك التى لا يكون هدفها فقط تدارك العيوب او القضاء على التشوهات بل لمجرد الاستجابة لرغبات الاشخاص وادامة مظاهر الشباب .

8ــ الجراحات العصيبة والعلاج النفسى بواسطة العقاقير والكيمياء العصبية .

- بعد هذا العرض للإشكاليات .. هل أدركتم معى مدى أهمية دراسة هذا العلم ؟

لكن هل هناك علاقة مباشرة بين الفلسفة وهذا العلم ؟ نعم علاقة صلبة ومتينة ، هناك ارتباط كبير بين البيوتيقا والفلسفة والذى تتضح معالمة على النحو التالى :

- البيوتيقا / هى اساسا فكر اخلاقى جديد اى تجديد لمبحث او فرع اساسى من فروع الفلسفة وهو الاكسيولوجيا حسب التقسيم الكلاسيكى للفلسفة الى ثلاثة مباحث اساسية هى الانطولوجيا( مبحث الوجود) والابستمولوجيا ( مبحث المعرفة) والاكسيولوجيا (مبحث القيم )

- كان للفلاسفة دور كبير فى نشاة البيوتيقا وتطورها وهذا ما يجسده جهود الكثير من الفلاسفة امثال :

- دانيال كالاهان :هذا الفليسوف قد اسس مركز هاستينغز الذى اهتم بنشر الفكر البيوتيقى والتعريف به ، كان من اهم انجازاته تاسيس المجلة الناطقة باسم البيوتيقا المشاركة فى تاليف اول موسوعة بيوتيقية

- هانس يوناس : ذلك الفليسوف الالمانى الذى ساهم بافكاره فى عالمية الفكر البيوتيقى ، فقد أكد على الطابع الشمولى للبيوتيقا وذلك من خلال ربطها باخلاقيات البيئة وتطويره احد المفاهيم الاساسية التى يقوم عليها الفكر البيوتيقى وهو مفهوم المسؤولية والتنبيه الى خطورة الابحاث الطبية/البيولوجية بشكل خاص والابحاث والتجارب العلمية بشكل عام ليس على حاضر الانسانية فحسب بل وعلى مستقبلها ايضا

فى الختام يجب الوقوف على أهمية دراسة هذا العلم .. فقط لأننا وصلنا لنقطة عمياء ونفق مظلم .. ففى سبيل التقدم والإزدهار العلمى والرخاء وغيرها من الشعارات الرنانة المسموعة دائما فى آذاننا .. نسينا أو تناسينا بالمعنى الأدق أننا بشر ولنا انسانيتنا التى تميزنا .. أوقفنا ضمائرنا وقطعنا صلتنا بمشاعرنا فتوقفت الآلة عن الحركة فى تخيل منا أنها تسير بسرعة الضوء .. نحن بالفعل نسير ولكننا نسير فى أعظم كوابيسنا ، ظنا منا أننا نعمل على راحة وتقدم البشرية .. لكن الحقيقة نحن نعمل على سرعة إنقراضنا .. فالحمد لله على نعمة الإسلام .. دين عظيم ورسول كريم .

   وإلى لقاء آخر تحياتى وتقديرى لكم أحبتى

           والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته