خريج سجون... فش نصيب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خريج سجون... فش نصيب

ألم العزلة والجفاء عند الأسرى المحرّرين من محيطهم

  نشر في 29 يوليوز 2018 .

شاهَدَ الأمهات والبنات يسحلنَ في شوارع القدس أثناء تصدّيهنّ لإقتحامات المستوطنين، وشاهدَ آلام والدة الشهيد ودمعاتها التي تحكي ما لا يطاق من ألم الحسرة والفقد، فـثار. قرّر أن يعوض النقص بالنفس، ويعيد تصويب حياة الآخرين نحو قضاياهم المحورية، لا أن يختزلوها في مصالح شخصية ضيّقة تضيع أولويات القضية.

قام بما يستطيعه من دفعٍ للأعداء، واجه وقاوم بكلّ جراءة، حتى كتب الله له السجن حينًا من الدهر، وتجرّع آلام التحقيق ونقليات السجون المرهقة، وناور في مساحة التحدي حتى يحافظ على الصمود، برغم السنين التي تفتّ في الصخر الجلمود.

أشرقت شمس صباح الحرية، معلنةً عودته لأهله وأقاربه الذين طال انتظارهم، وتعبت ألسنتهم من السؤال عن حاله وصحته في فترة الغياب. عاد الى أهله ومجتمعه ليعاود الانخراط من جديد، يبدأ صفحة جديدةً في حياته ليكتب قصص نجاحه التي لم تتوقف عند السجن.

يستكمل دراسته الجامعية، ويتخرج بتفوّق، فقد اعتاد الجلوس ساعاتٍ طويلةٍ يتدارس الكتب ويقرأها في السجن، مما انعكس على سلوكه في الخارج، حيث نمت بذرة الصبر فصارت شجرةً أصلها طيّبٌ وفرعها في السماء.

تخرّج، وبدأ يتقدم للوظائف وما هو متاحٌ له حينها، وكانت الإجابات تتوالى الى مسمعه تِباعًا.. "انت خريج سجون"، "لا يمكنني توظيفك"، "لا يوجد معك حسن سيرة وسلوك"، "انت بتخوّف، انسجنت والله أعلم شو رح يصير بمصلحتي اذا شغلتك" وغير ذلك من الإجابات التي ترى بأنه جنى على نفسه حين ثار لوطنه!

مضت أيامه صعبة، وبدأ الأصدقاء يبتعدون عنه، لأنهم يخافون على تصاريح عملهم، وعلى سُمعتهم عند أجهزة الأمن وجواسيسهم. تدبّر أمره في عملٍ بعيدٍ نوعًا ما عن تخصصه الجامعيّ، ولكنه يكفيه سؤال الناس وحاجتهم.

مضى العمر به سريعًا، وقد أدرك أنّه ليس كأي طالب جامعيٍ آخر، فقد تأخّر لسنين طويلة أثناء الجامعة، ومن هم بعمره الآن يملكون بيتًا وسيارةً وأبناء! فقرر أن يبحث عن نصفه الثاني، وقد بدأ رحلة البحث بالسؤال عن فتاةٍ شبيهة به، تحبّ ما يحبّه، يرغب في أن تكون حركاتها وسكناتها من قرارها الخاص الذي يرتضيه، حيث لا يريد أن يكون هناك حاجةٌ منه لأي توجيه وانتقاد، فهما روحٌ في جسدين.

تقدّم للفتاة الأولى التي سأل عنها وسمع ما يطيب له عنها، ولكنّ الرفض كان سيّد الموقف، ولماذا؟ "أنت خريج سجون، ولا أريد لإبنتي أن تتعذّب معك وتقضي عمرها في انتظارك على أبواب السجون!" وكان الرد الآخر على فتاة أخرى تقدّم لخِطبتها "فش نصيب يا ابني، أنت تُعتَقل كثيرًا، وأنا لا أستطيع أن أزوج ابنتي لشخصٍ يظنّ أنه سيحرر فلسطين!"، وبدأت الردود المدمّرة لروحه تتوارد الى مسمعه.

هكذا تسير حياة عددٍ لا بأس به من الأسرى المحررين، فهم يعانون من رفض المجتمع لهم خوفًا منهم! ولماذا؟ لأنهم يُعتقلون! وهل الأسير من يُلقي بنفسه إلى السجن؟ هل هو من يطلب أن يتم اعتقاله هروبًا من فشل؟ وهو المتفوق في دراسته! وهل هو محبٌّ للإعتقال لكي يحرم من حريته وأهله؟ وهل أصبح الاحتلال جهةً قانونية منصفة نصنّف أفعالها على أنها عادلة، ولا تعتقل إلا من "يخطئ!"، هل أصبح حب البلاد ومحاولة عمل أيّ شيءٍ لها جريمةٌ تستحق كل هذا النكران والجفاء! ما لكم كيف تحكمون؟! أوليس هذا احتلالًا يريد اجتثاث الإنسان على اختلاف توجهاته وفِكره من هذه البلاد؟ أنت مذنبٌ بنظر الإحتلال ما دمت على هذه الأرض، لذلك يكفيه هكذا تهمة لأن يعتقلك ويُبعدك ويُعذّبك ويتطاول عليك وينغّص حياتك.

عمِل الاحتلال طويلًا على هكذا نتائج، حيث الرفض والجفاء لهكذا أشخاص بين مجتمعهم، ولذلك أصبحت النظرة الضيّقة للمصالح الشخصية هي المعيار الذي يحكم حياة الإنسان وتصرفاته وعلاقاته الإجتماعية. وهو يزداد فرحًا عندما يقوم بتهديد الأسير بأنه سيعزله عن محيطه الإجتماعي، وتزداد فرحته عندما يتولّى المجتمع تنفيذ هكذا تهديد! إلا من رحم ربي.

اللهم فرجك القريب لأسرانا الأبطال، وحرائرنا الماجدات، وأشبالنا البواسل.


  • 1

   نشر في 29 يوليوز 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا