أحتاج لأنثى قريبة بالقدر الذي يجعلها قابلة للاختفاء في أي لحظة. لا أريد أن استيقظ وأنا متيقن بأن تلك المرأة ستكون بجواري أو في الشرفة تقرأ كتابًا، ريثما أُبعث من النوم. إن ذلك النوع من اليقين يقتل الشغف بداخلنا، يقضي على الخوف والقلق الضروريان للشعور بأننا مازلنا أحياء. هذا اليقين أولى طرْقات الموت على باب حياتنا المتأرجحة. إنني أتحدث عن الأنثى الثانية. الأنثى التي تلمس شغاف الروح ويناغينا الأمل، من خلالها، أن بإمكاننا البدء من جديد، تشييع حكاية قديمة لم يُكتب لها الخلود، كما كُتب لضبابية نهايتها! تلك الأنثى التي تحمل المشعل والريح، هي من يمكنها انتشال التائه من يقين العتمة وحيرة النور. الشك في كل شيء يخصها، يجعل منها أنثى مثالية، قابلة لكل شيء، قابلة للحب... قابلة للحرب. أنثى تشعر معها بطفولتك، بنزقك، بانسلاخ روحك من كل اعتياد، من كل تقليد... أنثى يبرهن لك وجودها المحفوف بالغياب، أنك شيء دائم التجدد، كأنفاسك، كخلايا جسدك، كشعرِك المسافر...، أنثى تستقر في قلبك وليس في حياتك. تنشطر روحك، بين مبتهجة بنسيم الهواء الحي، وبين محتجة، عابسة، متهمة لك بقلة الوفاء وقلة القيمة! روحٌ تُشقي ذاتها بذاتها! روحٌ مُنهكة على جنبات الانتظار الوعرة، مُحاطة بيأسٍ نهِم متخم بعصافير الأمل المضرجة بدماء انكسارها، روح تتوق لنبضة هدنة، ومضة سلام، دون أن تبرح! وروحٌ تمد لهفتها ببراءة الأطفال للضوء الذي اجتاز كل حجب اليباب ولمس نبض الحياة فيها، فابتسمت له وفتحت النوافذ كي تقول له: أنفذ وتجلّى واصنع ما شئت، فأنا صديقة النهار، حبيبة النور. وأنت الشتات، بين دفاعات روحك القديمة (الوفية)، وبين اندفاعات روحك التواقة لنفض الموت المتمثل في هيئة سكون مزيف وهدوء مُفتعل، يهوي بكلّيتك إلى خاتمة قبيحة، مثيرة للشفقة في أخف صور الشماتة بها. وحدها تلك الأنثى الموارِبة قد تخفف من حدة الاحتدام الأخلاقي داخل روحك الطفلة. إلى أن تصل تلك الأنثى المثالية، ستبقى تتلفّت، بين شفق ذاكرتك الجميل وشقوق قدميك الرتيبة على حافة الانتظار المتكسرة.
-
حسن أحمدشاعر، كاتب، ومؤلف.