قم فأسقني صمت الحياة بعزةٍ!
هناك الكثير من الأمم تعرضت لقمع الحريات وتكميم الأفواه - ولو بنسب متفاوتة - فعبرت شعوب تلك الأمم عن عجزها عن الكلام ببعضٍ مما يلي:-
يقول اليابانيون :- عندما أفتح فمي فإن هواء الخريف ينقل المرض إلى شفتي!
ويقول السلافيون :- تحت لساني جمرة.
أما العرب فإنهم يقولون :- في فمي ماءٌ وهل ينطق من في فيهِ ماءُ؟
والغريب في الأمر أن اليابانيين تصالحوا مع هواء خريفهم منذ أن أخرجوا الأمبراطور من دائرة العسكر وأدخلوه دائرة الصمت وأخرجوا العسكر من دائرة التأثير إلى دوائر الثكنات وأخرجوا الوطن إلى دائرة الشعب التي دار في فلكهِ أعظم ما أنجزته عقول البشر!
وأما السلافيون فقد تخلصوا من الجمرة منذ أن غادر الرفيق "تيتو" الحياة وعاد كل قومٍ إلى لسانهم بعد أن طُفئت الجمرات بدماء الصراع العرقي الذي أُختزن تحت الألسن الصامتة لسنين طويلة صرخات وتعابير كُتمت فأنطلقت رصاصاتٍ ولو قُدر لها أن تُطفى بالكلام شئياً فشئياً لخرج من تحتها ورود وأزهار!
وبقي العرب الذين - لازال - وسيظل الماء في أفمامهم لأنهم أن بلعوه أختنقوا به وأن لفظوه أرتد إليهم ناراً تشوي الوجوه!
والعرب قومٌ يحبون المطر لذلك جاء إرتباطهم بالماء حتى في أحرج لحظات صمتهم!
ولإن شاعرهم قال :- لاتسقني ماء الحياة بذلةٍ، فقد وجدوا أنه لابد من عمل تسويه فبدل أن تسقني ماء الحياة وابقى ذليلاً فأبق الماء في فمي كي أظل صامتاً فالصمت هيبة وهل هناك أجلُ من صمتٍ يسقيه الماء!
نواف بن جارالله