الإنسانوية ..تعرف على دين العالم الجديد - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإنسانوية ..تعرف على دين العالم الجديد

  نشر في 22 شتنبر 2016 .

من ضمن الإشكالات الكبرى التي تواجه الإلحاد الإشكالية الأخلاقية , فبدون أديان تبدوا الأخلاق فكرة غير متماسكة و غير عقلانية , أن لم يكن هناك بعث بعد الموت و ثواب و عقاب أخروي فلماذا أكون خيراً والأخلاق ليست مربحة بل هي عادة تضر صاحبها ولا يوجد برهان عقلي يدعمها ؟

عندما ارتفعت موجه الإلحاد حملت معها ما لم يكن في الحسبان من ذيوع للعدمية و انهيار أخلاقي , ومع صعود الدروينية انهارت قيمة الإنسان وتحول لكم بيولوجي وتحولت الرحمة و مساعدة الضعفاء إلى مثار سخرية باعتبارهم خطأ في نظر الدروينية و تعارض مع الانتخاب الطبيعي فلم تكن مصادفة أن يسمي الرئيس الأميركي آدمز إبادة البيض للهنود الحمر بقانون الطبيعة و باسم العلم جرت الإبادات العرقية للأعراق الأدنى تطوراً ومن هم زائدون عن حاجة المجتمع و يعرقلون تطوره , أباد النازيون و الشيوعيون و الفاشيين ملايين لا تحصي من البشر لأنهم ينتمون إلى عرق أو طبقة أو دين أو أيدلوجية وأجبروا علي العمل حتى الموت في معسكرات الاعتقال وشاع التعقيم الإجباري واستعملت مجتمعات بكاملها كفئران تجارب للأدوية و الأسلحة وصعدت العنصرية و الشوفونية لحدود لا عقلانية حتى قتل نظام بول بوت في كمبوديا كل من كان يرتدي نظارة طبية !

وكان هذا الجنون باعثاً للدين الذي وجد فيه الناس ملاذا من ضياع العدمية و توحش المادية ,وذاعت نظرية رأس المال الأخلاقي والتي مؤداها أن أخلاق الملحدين سببها التراث الأخلاقي لمجتمعاتهم وثقافته الدينية السائدة بينما أن قام المجتمع الملحد تماماً فيستحيل أن يعرف الأخلاق وسينهار المجتمع بالتبعية سريعا ولكن اليوم تبرز الإنسانوية لتقدم نفسها كبديل عن الدين.

تقدم الإنسانوية الحل للإشكالية الأخلاقية للإلحاد بالإعلان عن إمكانية وجود الأخلاق و الحياة الأخلاقية القائمة على التعاون والتراحم بين الناس دون الاعتراف بوجود خالق .

و الإنسانوية ليست مفهوماً جديداً بل يزعم أتباعها أن لها أصولا تاريخية ترجع لأفكار الفيلسوف الإغريقي ابيقور الذي القي جانباً الأسئلة الميتافيزيقية و أعلن أنه لا يهتم بوجود الإلهة من عدمها أو معني وجوده هو شخصيا و أن المعيار الوحيد لتميز الخير من الشر هو اللذة أو الألم الناتج عنهما و أن سعينا يجب إن يكون لتحصيل السعادة بدون الانشغال بما هو فوق الطبيعة.

وكذلك النظرية الأخلاقية التي وضعها بنتام باسم النفعية والتي تقضي بان تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس هو أساس الأخلاق و التشريع , حيث يتم الحكم على الشيء أخلاقيا بناء على نفعيته حيث تخفيف المعاناة وتحقيق المكاسب للناس متطلب أخلاقي بدون الحاجة إلى تبرير ديني لذلك .

وشهد القرن التاسع عشر بداية ظهور الجمعيات الأخلاقية غير الدينية في أميركا وأوروبا وفرت أطار للعمل الخيري و النقاش الاجتماعي و الفكري خارج المؤسسات الدينية.

و في عام 1896 ، كونت الجمعيات الأخلاقية البريطانية اتحاد يعرف الآن بالرابطة الإنسانوية البريطانية و في 1952 أسس الاتحاد الإنسانوي والأخلاقي الدولي وهو الجبهة الممثلة للحركة الإنسانية العالمية.

والكثير من مفكري القرن العشرين من الإنسانويين كبرتراند رسل و بيتر سنجر ويدعي الإنسانويين أن 36% من البريطانيين يتبنون قيم الإنسانوية

فما هي تلك القيم ؟

يمكننا تلخيص الرؤية الإنسانوية في النقاط الآتية :

- يرفض الإنسانيون ربط الأخلاق بوجود الله وفى المقابل يؤكدون على وجوب وأهمية وجود القيمة الأخلاقية في الحياة و يؤسسونها على الطبيعة الفعلية للبشر الاجتماعيين بفطرتهم وما يساعدهم على الازدهار من تعاون و تواد مما ينتج حزمة من المبادئ الأخلاقية الراسخة التي يتفق عليها الجنس البشري بأكمله كالصدق و الرحمة و أعانة المحتاجين و التسامح و عدم إيذاء الآخرين أو العدوان عليهم .

- يعارض الإنسانيون تدخل الدولة في عقائد مواطنيها سواء بفرض عقيدة دينية معينة او بفرض الإلحاد فبرغم أنهم يرون الأديان كافة زائفة و ربما أيضا خطرة و شريرة يرفضون قيام الأنظمة الإلحادية باجتثاث الدين و قمع المتدينين وفى المقابل يرفضون قيام الدولة بدعم دين بذاته فيعارضون القوانين البريطانية التي تقدم دعم للمدارس المسيحية و "كوته" الكنيسة البرلمانية حيث يخصص 26 مقعدا في مجلس اللوردات للأساقفة .

- الأخلاق عند الإنسانيون مسئولية فردية , فالإنسان مستقل في إصدار الأحكام الأخلاقية وليس له إن يترك هذا الحق إلى هيئة دينية أو علمانية تصدر هذه الأحكام نيابة عنه وأن كان يحتاج إلى تربية أخلاقية تزوده بالمهارات اللازمة لإصدار الأحكام الأخلاقية الصائبة.

- تؤيد الإنسانوية حرية الفكر والتعبير ووجود مجتمع منفتح و تدعم أشكال التعليم الأخلاقي التي تؤكد على استقلال الإنسان الأخلاقي و أهمية التفكير النقدي المستقل بعيد عن المناهج العقائدية , معولين على دور العقل في إصدار الأحكام الأخلاقية فمن ناحية نستطيع أن نحدد قيمة الشيء الأخلاقية من خلال نفعيته المثبتة علمياً ,ومن ناحية أخري تحد العقلانية من غلواء الفردية في تقييم أخلاقية الأشياء و التي تنتهي بالنسبية الأخلاقية حيث يقرر كل فرد ما هو أخلاقي أو غير أخلاقي بعشوائية تامة و بلا معايير.

- يرفض الإنسانيون الرؤية المادية البيولوجية للإنسان , و يؤكدون على قيمته السامية عن غيره من الكائنات , ويعلون من قيمة حقوق الإنسان ويدافعون عنها بشراسة , فعلي سبيل المثال يدافع الإنسانيون عن المثليين مستندين علي حقوق الإنسان بينما المثلية وكافة أنواع الشذوذ مدانة أخلاقيا ليس فقط من الأديان ولكن من الدروينية أيضا فهي لا تعدوا كونها خلل هرموني أو مرض نفسي , خرقا لناموس الطبيعة يفسد الغاية الأساسية من وجود الإنسان وهي التكاثر و انتقال جيناته لجيل جديد , ولكن الإنسانيون يرفضون وجهتي النظر في موقف لا يمكن وصفه إلا بالدوجماتي/ العقائدي فلا يوجد له مبرر عقلاني كافي .

ولهذه المبادئ يحظى تيار الإنسانوية بتأييد واسع من الحكومات الديمقراطية العلمانية فهو متطابق تماما مع الحداثة الغربية, يقوم بوظيفة هامة في سد النقص في البنيان الأخلاقي المجتمعي فيسهم بقوة في تماسكه و يصدر القيم والحداثة الغربية إلى الخارج معظماً من سيادة ثقافة الغرب قوته الناعمة.

وخطت الإنسانوية خطوة واسعة لتقترب من كونها ديانة أكثر منها رؤية فلسفية للحياة بظهور الطقوس الإنسانوية ففي عام 2007 فقط نظمت الرابطة البريطانية الإنسانية أكثر من 7 آلاف جنازة و 70% من الزيجات في بريطانيا زيجات مدنية تشهد نسبة معتبرة منها طقوس إنسانوية تنصب على التعبير عن حب الشريكين و التزامهما برعاية بعضهما وليس إبرام عقد تحدده الدولة أو مؤسسة دينية .

أما الاحتفالات الإنسانوية لإطلاق الأسماء على الأطفال فتقوم على السماح للأبوين و الأهل و الأصدقاء بالتعبير عن حبهم و استعدادهم لمساعدة الإنسان الجديد أيا كانت اختياراته في الحياة .

فهل تظن عنوان هذا المقال كان مبالغاً فيه ؟

الإنسانوية تحتوى مقومات الديانة الأساسية العقيدة و المنظومة الأخلاقية و الطقوس و الهيئات المعترف بها والتي تحدد موقفها من القضايا المختلفة .

وان كانت الإنسانوية تجد صدي واسعا في الغرب حيث تتوافق مع أفكاره السائدة و لا تتصادم لا مع الدولة ولا المجتمع ولا حتى المؤسسات الدينية رغم حصارها الدين في مساحة الاعتقاد (أو بالأحرى الخطأ) الشخصي الواقع في دائرة التسامح مادام شخصيا وبلا تأثير خارجي .

ألا أن أفكارها تجد صدي أيضا في الشرق العربي الإسلامي المتصدع فكرا وثقافة, و المهيأ لقبول أي شيء.

وربما قريباً نشهد المعركة بين الإنسانوية ومتدينين الشرق الذين سيواجهون تحدياً كبيراً و خصما على نعومته من اعتي الخصوم عليهم حسن الاستعداد لمنازلته .

 وربما يكون في قولي هذا لهم نذير .



   نشر في 22 شتنبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا