ولدت في بلد أقل ما يمكن أن يقال عنه، أنه وهب الكثير من الخالق تعالى جل جلاله، واجهتين بحريتين، قرب للقارة العجوز بما حدوده خمس عشرة كيلومترا، ومع هذا وأسفاه لم يثأثر سكانه إلا بالقليل من الثقافة الأوروبية.
نشتكي من تردي الأوضاع، من تأثرنا نحن أيضا بنفس المرض الذي يصيب البلدان المتخلفة، وكردة فعل طبيعية، تراءى لنا أن نبحث عن السبب وراء هذا المرض، تبين لنا أن اللوم على المسؤولين عن الحكم، سواءا رؤساء دول أو وزراء أو نواب أو رؤساء جماعات، لكن الحقيقة أننا نحن نفسنا، السبب وراء مشاكلنا، ليس أن كل المسؤولين المذكورين سلفا لا يتحملون جزءا من المسؤولية، لكن المشكلة الكبرى التي حولت بلدنا المعروف بقوته في العالم عبر التاريخ، إلى عود قش ضعيف تسقطه أي ريح ضعيفة هي: مشكلة ثقافة.
وما دمت استعملت مصطلحا ذا معنى واسع كالثقافة، فلابد لي أن ألفت انتباهكم إلى أنني في حديثي عن الثقافة، ساخذها من جانبها الضيق المثمتل في مجموعة القواعد والسلوكيات والعلاقات التي تجمع مجموعة من الناس في اطار منطقة جغرافية محددة، ولن اتطرق للثقافة بمفهومها المنبني على التنمية المرتبطة بعدة مجالات كالفن واللغات وغيرها...
قد يعاتبني اساتذة الانتروبولوجيا، لاستعمالي واحدة من كلماتهم المقدسة والمعروفة بعمق وتعقد معناها، لكنني بحثت دون أن أجد كلمة تعبر عن ما أرغب بالتطرق إليه.
بالعودة إلى موضوعنا، لابد أن أشير أن مسألة الثقافة التي باتت تتغلغل بين أفراد مجتمع بلدي، شبابا، كهولا و اطفالا، والتي ترسخها أكثر وهم ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، لم يجعل بلدنا يمضي إلا من سيء إلى أسوأ. كنت أتمنى لو استعمل تلك العبارة المشهورة " ارجعه الف سنة إلى الوراء"، لكن يا ريت فبلادنا كانت في عصر ازدهارها آنذاك. والحقيقة أنني كطالبة اقتصاد منذ ثلاثة سنوات ليومنا هذا، فطنت أن المشاكل المرتبطة بالمال والعمل تكون اسبابها اعقد مما تبدو عليه. أن أي شخص إطلع على بعض من النظريات الاقتصادية، سيكتشف أن الانسان هو نفسه وراء معظم تلك المشاكل.
لا يمكن ان نتقدم في بلد حيث التوقيت اللفظي مختلف عن التوقيت الذي تشير إليه الساعات، بلد حيث تتفق على موعد مع شخص ما فيتأخر نصف ساعة كحد أدنى هذا إن حضر من الاسباب، حيث الدقيقتان هم فالحقيقة ساعتان و الساعة هي اجل غير مسمى، كيف يمكن لك أن ترجو تحسن الوضعية في بلد يعتقد البعض أن الحضور في الوقت المحدد غباء، بلد يعتقد فيه الفرد أن وقته وحده المهم، أما الطرف الآخر فلا أهمية لوقته.
لا يمكن أن نتقدم في بلد فقدت الرحمة والانسانية مكانها في قلب سكانه، ولا تستغرب فما ينشر من كوارث تحدث ها هنا، في هذه الأرض الطاهرة، ما يعكف إلا أن يحول قلوبنا إلى حجارة ثابته لا تقدر قوة على تحريكها. حيث اللص مستعد لسلب المصاب الغارق في دماءه كل ما يملك من امور ثمينة، تاركا ايها دون ان يبحث عن طريقة لينجده، لا أن الرحمة فرغت من قلوب الجميع، فكم من القلوب تسعد عندما تجد منها من الرحمة ما يجعل عيناك تدمعان من التأثر.
لا يمكن ان نتقدم في بلد، حيث الطمع والجشع يسكنان قلب افراده اكثر فاكثر، حيث المعظم يمارسون جميع الطرق التي تمكنهم من تكنيز المال، متناسيين أن المال ينبغي أن يؤخد كوسيلة لا كغاية، وواضعين ضمائره في وضع الطيران، غير مدركين أن الموت قد يغفلهم في أي لحظة، فالموت سلطان لا رادع له.
لا يمكن لبلد ان يتقدم، فقط بالحب اللفظي للوطن، ولو كان الامر ليجدي، لكنت تفننت في كتابة قصيدة عمودية من اكثر من أربعين بيتا أمدح فيها تراب ارضه و سماؤه. لن يتقدم البلد بانتقاد الرؤساء والمطالبة باسقاطهم، اساسا مجرد التفكير في هاته الخطوة الاخيرة يعتبر ضرب من ضروب اللامنطق، مادام في حالتنا المشكل ليس في مجموعة معينة من الافراد( ليس أنهم لا يتحملون المسؤولية لكن جزء من المسؤولية يتحملها الأفراد )، لكن في المبادئ والثقافة التي يتربى عليها افراد المجتمع منذ طفولتهم المبكرة.
-
فرحلأن الكتابة وسيلتي الوحيدة للتعبير