إصدارات الراصد الوطني الإبداعية ودور لجنة القراءة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إصدارات الراصد الوطني الإبداعية ودور لجنة القراءة

  نشر في 06 غشت 2022  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

يعد الإبداع الأدبي وسيلة من وسائل التعبير عن شواغل الإنسان الذاتية والجماعية، فهو وعاء فني لطرح الرؤى ومعالجة قضايا الإنسان، وعبره يتم استثمار الملاكاتِ الإبداعية والذوقية لخلق عملٍ له قيمة فنية وجمالية، لا يختلف عليها عشاق الإبداع الأدبي الباحثين عن الأدب الذي يجمع بين الإمتاع والفائدة بالمزواجة بين القيمتين الفنية والفكرية، ولهذا فإن المتتبع والراصد للإنتاجات الإبداعية في الرواية، والقصة، والنصوص السردية، والشعر، والمسرحية، وأدب الطفل.. يحرص على الاهتمام بكل إنتاج جديد من هذه الفنون الأدبية قصد محاولة الإحاطة قدر الإمكان بتجارب هذا العصر بمختلف الحساسيات والاتجاهات. وعلى هذا الأساس يقوم الراصد الوطني للنشر والقراءة بمجهود جبار في هذا المجال، إذ يَشرع أبوابه ليستقبل العديد من الأعمال الإبداعية قصد توجيهها إلى النشر وإعطائها فرصة الظهور على الساحة الأدبية. ومن أجل تقديم ومساندة كل إبداع حقيقي يرى فيه الراصد الوطني نورَ التوهج الإبداعي فقد أحدث خلال اشتغاله، ومنذ أخذ على عاتقه مهمة النشر والتوزيع، لجنةَ قراءة خاصة تقوم بقراءة الأعمال التي تُعرض عليها وتعمل على تقييمها تقييما دقيقا باعتماد معاييرَ موضوعية صارمة ومحايدة لا تميل إلى المجاملة، وذلك لإجازة العمل الأدبي الذي يستحق النشر أو الفوز في المسابقة. ودور هذه اللجنة أساسي حيث تكشف وتبين ما مدى تحقق الأدبية في المعطى النصي الذي يتقدم به صاحبه، ومن ضمن المعايير المعتمدة لاختيار الجيد؛ أن تتحقق في العمل المقومات الفنية والجمالية التي تخص الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، مع تماسكِ بنيته النصية شكلا ومضمونا، إضافة إلى مراعاة سلامة اللغة وأصالتها، وضرورة حضور الموضوع أو الفكرة في المنجز الإبداعي..

وتجدر الإشارة إلى أن الأعمال التي يتوصل بها الراصد كلها تُعرض على لجنة القراءة بعد تجريدها من أسماء كتابها، مما يعطي للعملية المصداقية، لأن لجنة القراءة تتعامل مع العمل الأدبي وليس مع اسم صاحبه، وكل ذلك في إطار عمل مشترك يتسم بالحرص على تقديم الجيد للقارئ وإبعاد الردي، مع تقديم ملاحظات إن وجدت قصد تصويبها، فتصبح تلك الملاحظات وأخذُها بعين الاعتبار شرطا من شروط نشر العمل المقدَّم.

بهذا الشكل تشتغل لجنة القراءة سواء لجنة قراءة الأعمال الموجهة للنشر أو التي تشارك في المسابقة القصصية التي ينظمها رونق المغرب. ويسلِم كلُ عضو من لجنة القراءة ملاحظاته أو تقريرِه ورأيه في العمل، إلى المسؤولة عن النشر قصد التواصل مع صاحب العمل بخصوص أي تعديل أو تصويب أو إخباره بعدم إجازته للنشر لعدم توفره على شرط الجودة، أو إحدى الشروط الأخرى...

وما دام الراصد الوطني يؤسس لفعل ثقافي جاد فقد أعطى أولوية للقصة القصيرة من خلال تنظيم مسابقات دورية، يشارك فيها العديدُ من كتاب القصة ممن لم يسبق لهم نشر أي عمل أدبي في جنس القصة القصيرة، وقد اعتُمد هذا شرطا أساسيا للمشاركة في هذه المسابقة، كما يتم نشر المجاميع الثلاث الفائزة بالرتب الأولى بعد طباعتها، ويحتفى بها في حفلات توقيع تنظم خصيصا لها لتقريبها من القارئ.

ولا بد أن نشير إلى أن غياب جائزة قارة في جنس القصة على غرار الشعر والرواية، باستثناء بعض المسابقات الوطنية الخجولة، هو ما دفع الراصد إلى تنظيم جائزة القصة القصيرة.

كما أن الراصد الوطني دائمُ المساهمة في تحفيز الناشئة على الإبداع واحتضان الطاقات الإبداعية، لهذا ينظم كذلك جائزة “رونق” الوطنية للقصة لفائدة تلاميذ الثانوي الإعدادي والتأهيلي وطلبة الجامعات والمعاهد، حيث وصلنا هذا العام إلى النسخة الخامسة، (دورة عبد الجبار السحيمي ومليكة نجيب). وحرصا على أن تستفيد هذه الفئات من المشاركة فقد تم وضع شروطٍ مناسبة للمشاركة، منها: أن يشارك المشارك(ة) بقصة واحدة باللغة العربية، وأن تكون القصة غيرَ منشورة أو فائزة في مسابقة مماثلة. ولكي لا تتكررَ نفسُ الأسماء فإنه لا تُقبل مشاركة الفائزين بالرتب الثلاث في الدورات السابقة. وحتى يتم الاشتغال في ظروف تتسم بالشفافية والمصداقية، فيشترط أيضا الإدلاءَ بوثيقة تثبت الانتماء إلى إحدى المؤسسات (شهادة التسجيل أو البطاقة المدرسية/ الجامعية…). كما يشترط ألا يتجاوزَ عمر المشاركِ السنة الثالثة بعد العشرين.

إن المسابقة القصصية بهذه الشروط تسعى إلى أن تعطي الفرصة لمن يرغب في نشر قصصه القصيرة أو الذين يريدون إسماع أصواتهم الإبداعية للقارئ. لهذا يتم التركيز على الإصدار الأول وعلى الأسماء الشابة والمغمورة قصد نقش اسمها بالمشهد الثقافي.

وإن هذا الدور الذي تقوم به لجنة القراءة وإن كان يحتاج صبرا وعناية قصوى فهو دور مهم يعطي لتجربة الراصد قوة ومصداقية وجدّية في العمل، وهو دور يضع الأعضاء في محل المسؤولية أمام أنفسهم وأمام مجتمع القراء والمبدعين والباحثين والمهتمين بشؤون الأدب والنقد.

إن تجربة الراصد في مجال نشر الأعمال الإبداعية وتجربته في التنظيم وكشف زوايا الظلال المخبئة وتركيزُه على الهامش أكثر من المركز، يعد تجربة فريدة، وإنَّ ما راكمه من إصدارات في القصة والرواية والشعر والمسرح وأدب الطفل، والترجمة.. نتبين من خلاله أن عصرنا عصر الرغبة في الكتابة باعتبارها ممارسة حضارية تمكن العديد من حاملي الأقلام من إيصال صوتهم إلى العالم، كلُ واحدٍ حسب اختياره الفني الذي يناسبه في الكتابة، والأسلوبِ الذي يراه يوافق قناعاته المعرفية والفكرية والأدبية. والرغبةُ في الكتابة هو نزوع نحو خلق عوالمَ توازي عالمنا المعاصر الذي يتحطم فيه الإنسان تدريجيا أمام تحولات سريعة ومرهقة. والرغبة في الكتابةِ هي اكتشاف للذات واكتشاف للإنسان في حلبة صراعه، فالكاتب المعاصر يمثل جيلا من التجارب الحديثة التي تريد أن تؤسس لأنماط جديدة في الكتابة لدرجة أن الكتابة الأدبية تصبح في العديد من الأعمال الأدبية موضوعا رئيسا يتوسل بتقنيات حديثة تمنحه الجِدّة وتبعده عن النمطية، بما يعطينا صورة أننا أمام حساسيات دائمةُ البحث والاكتشاف. والاكتشاف يقتضي المغامرة. والكتابة مغامرة، لهذا فمن خلال تجربتنا في الراصد وبالخصوص في لجنة القراءة فإن الأعمال التي يتم استقبالها، منها ما يستحق النشر والدعم والمساندة، لأنها تحقق ما سبق أن أشرنا إليه، كما لا يخلو بعضها من الضعف، سواء في اللغة أو الأسلوب أو البناء، ولهذا يتم استبعاد كل عمل يفتقر إلى القيمة الإبداعية ولا يرضي مستوى تطلعات الراصد. وهذا النهج منح الراصد ثقة وسمعة طيبة في الوسط الأدبي والثقافي، حيث يلجأ بعض الكتاب إلى طلب احتضان تجاربهم الأولى بكل ثقة، إذ يقدمون من خلال الراصد صوتهم الأدبي والإبداعي ويرتضونه وسيطا بينهم وبين القارئ. ويعمل الراصد بذلك على تسويق المنتوج الإبداعي عبر وسائط متعددة منها الوسائط الإلكترونية (صفحة الراصد على الفيسبوك، مواقع أدبية وإخبارية)، ووسائط أخرى منها الجرائد الورقية والمجلات، ومنها المكتبات والأكشاك في مختلف المدن المغربية، وأيضا عن طريق المعارض الجهوية والمعرض الدولي، أو المعرض الوطني للكتاب بطنجة الذي ينظمه الراصد بدوره، أو من خلال تنظيم حفلات توقيع بمدن المغرب المختلفة، إضافة إلى المتابعات النقدية التي يحرص الراصد على توفيرها لإصداراته الإبداعية، كلها وسائط للتعريف بالمنتوج الإبداعي وبإصدارات رونق ونشرها وإعطائها أولويةٍ خاصة، حتى تصير لها سمة تميزها عن باقي الإصدارات، عناية ودعما، من أجل تكريس فعل القراءة في المجتمع وحتى يجد القارئ ما يرضيه، خدمة للكتاب المغربي وللثقافة المغربية.

إن تجربة رونق في هذا المجال اكتسبت سمعة حسنة ومنحته ثقة مكنت هذا الإطار من الاستمرارية رغم وجود معيقات كثيرة لكنها بالنسبة للراصد هي تحديات، ولا تزيده إلا اصرارا على المواصلة وإثبات الذات وتحقيق الحضور الوازن في الساحة الثقافية، بفضل الله أولا، ثم بفضل جهود أعضاء مكتب الراصد الوطني للنشر والقراءة وعلى رأسه المناضلة الثقافية المبدعة فاطمة الزهراء المرابط، وأيضا أعضاء لجنة قراءة الأعمال الإبداعية والنقدية المقدمة للنشر أو الأعمال المشاركة في مسابقة القصة، هذه اللجنة التي تقوم بعمل جبار لأنها تعتبر المصفاة التي يمر منها كلُّ ما ينشره من إصدارات إبداعية ونقدية. إن منجزات الراصد وما قدمه خلال عقد من الزمن، خاصة في الفترة الزمنية ما بين 2014 و2022، راكم فيها ما يفوق 80 إصدارا إبداعيا ونقديا ومازال العدد في تزايد مستمر حيث أن هناك منشورات سترى النور ابتداء من الموسم الثقافي المقبل، وساهم الراصد في العديد من المحطات الثقافية وفي العديد من المشاريع الثقافية الناجحة، كل هذا أعطى لمساره أفقا متوهجا لمواصلة العمل بخطى تابثة واثقة في المستقبل الإبداعي لهذا البلد الآمن وفي قدرة مبدعيه على بناء صرح أدبي مغربي له خصوصيته تؤهله أن يكتسب طاقة مؤثرة في إبداعات بلدان أخرى. وخلال المدة التي علَّقت فيها الحكومة جميع الأنشطة في فترة الحجر الصحي وما بعده، كان الراصد يعمل في الظل على تهيئ مجموعة من الكتب للطبع، كما أن مجلة الصقيلة ظلت تصدر في تلك الظروف الصعبة.

ولا بد أن نثني على العمل العملاق الذي تقوم به فاطمة الزهراء المرابط، فهي المحرك الديناميكي، والساهرة على كل عمل ومشروع وعلى جميع أنشطة رونق بالتنسيق والتنظيم والتواصل والإعلام والتوزيع والنشر تحمل على كاهلها هم هذا الإطار وتدافع عنه وتحرص على استمراريته ونجاحه.

تم المشاركة بهذه المداخلة في ندوة «رونق عشر سنوات من العطاء الثقافي قراءة في المنجزات والآفاق» التي نظمها الراصد الوطني للنشر والقراءة بالمديرية الجهوية للثقافة، طنجة.

طنجة: 29/07/22


  • 1

   نشر في 06 غشت 2022  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا