(محبٌّ للزوجة .. عاشقٌ للكذب).
سلسلة : ( نماذج بشريّة في الميزان )
نشر في 08 أبريل 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
( محبٌّ للزوجة و عاشقٌ للكذب ) .
ثلاثة أشهر مرّتْ على شهر العسل .. الزّوجة تخاطب زوجها بنوع من الدّلال :
- عزيزي غداً هو السبت ، وأريد أن تأخذني بعيداً عن صخب المدينة وضوضائها ..
ولا نرجع إلاّ مساء الأحد .
الزّوج مناوراً ، لأنّ التّكلفة قد تكون باهظة :
- عزيزتي .. تعلمين أنّ كثيراً من الأخبار والمواضيع ، سواء منها المحليّة أو الدّوليّة
لا يمكنني متابعتها واقتفاء مجرياتها ، إلاّ من خلال السبت والأحد ، فالقنوات الفضائيّة
أصبحت حبْلى بالعجائب والغرائب ، فكلّ أملي أنْ نلزم البيت ونسترخي أمام التّلفاز .
الزوجة :
- يا سبحان الله .. كيف تتبدّلون بين عشيّة وضحاها؟
الزوج :
- لم أفهمْ .. عزيزتي .. أوضحي !
الزوجة :
- أيّامٌ قلائل قد خلتْ و في مخيّلتي بعْضاً من كلامك الشّاعري كنتَ توحي به إليّ ونحن
لا زلنا في مرحلة الخطوبة .
الزّوج متجاهلا وهو يتمدّد على السّرير :
- ذكّريني عزيزتي .. حقّا كانتْ مرحلة رومانسيّة بامتياز.
الزّوجة متهكّمة ًوهي الأخرى تتمدّد على السرير :
- لا عليك سأذكّرك .. كنتَ كلّما أخذتَ بيدي ، تطلب منّي أن أنظر إلى عينيكَ قائلاً : حبيبتي
سأجوب العالم وظلّكِ يعانق ظلّي .. سأتفوّق على بن بطّوطة في تجواله ومغامراته لأنّه كان
وحيداً في دروبه وفيافيه أمّا أنا فمعي توأم روحي ، وترجمان فؤادي .....
هل تذكرتَ الآن يا رجل ؟ .. تأتي الآن وتريد السفر فوق السّرير وعينيك جاحظتين على التّلفاز ..
مع أنّي لم أطلبْ منك سوى الابتعاد قليلا عن صخب المدينة .
الزوج بعد أن خطرتْ بباله حيلة ما للخروج من المأزق :
ستريْن عزيزتي ، سأفي بوعدي لك ، خصوصاً وأنّ المدير العام للشركة ، رشّحني وبقوّة لزيارة
المعارض التي ستقام بأوروبا في المرحلة الأولى ، تليها المعارض التي ستقام ببعض الدّول
الآسيويّة .. عندها سأكون أنا (سندباد) بينما أنتِ هي (ياسمينة) .. هل رضيتِ يا ملاكي بهذا الخبر
السّعيد ّ؟
الزّوجة وهي تلحّ في طلبها :
- إلى حين يأتي موعد زيارة هذه المعارض .. أريد أن تلبّي طلبي غداًً .
الزّوج :
طيّب .. أريد كوبا من الماء أروي به ما لحق بلعومي من جفاف .
الزّوجة وهي ذاهبة :
- اللّهمَّ .. طوّلكْ يا روحْ .
وبينما الزّوجة هي راجعة بكوب الماء .. كان الزّوج قد اهتدى إلى حيلة مفادها أن يُسمع زوجته
صوت هاتفه النّقال بعد أنْ افتعل خلسة ً واقع الرّنين .. وبمجرّد أن دخلتْ بالكوب ، وضع الهاتف
على أذنه قائلاً :
آلو آلو .. من معي .. نعمْ نعمْ .. طيّبْ وهو كذلك سيّدي ، إن شاء الله سأكون في الموعد المحدّد ..
احتراماتي سيّدي .. إلى اللّقاء .
الزّوجة :
منِ المتّصل ؟
الزّوج :
- المدير العام .. يطلبنا غدا لاجتماع طارئ .. ربّما لأخذ بعض التّدابير المستعجلة ضدّ التّصعيد الذي
تنوي النّقابة العمّالية القيام به .
الزّوجة وهي لم تستسغ تماماً جدّية هذه المكالمة :
- نعمْ نعمْ .. كلّ مصائب العالم ستحدث غداً .. وربّما سنرى على الشّاشة ، خبراً عاجلاً مفاده
أنّ ( تسونامي) سيضرب ضواحي مدينتنا حتّى يلتزم المواطنون منازلهم حفاظاً على سلامتهم .
في هذه اللّحظة ، الزّوج يغلبه الضحك ، بينما الزّوجة اهتدتْ إلى نفس الحيلة .. ولكن بطريقة
أخرى ، حيث وضعت يدها على بطنها وصرختْ قائلة :
- أدركني بسرعة ، علبة الدّواء نسيتها بالخزانة أسفل البيت .
يقوم الزّوج متعثّرا ، مهرولاً ، لكنّه دون جدوى ، لم يجد أي شيء بالخزانة ، وعند صعوده الدّرج ،
سمع رنين هاتفه ، ليسمع زوجته تردّ قائلة:
- طيّبْ .. طيّبْ .. ها هو أمامي ، سأبلغه الخبر ، مع السلامة .. بلِّغ تحيّاتي للهانم .
الزّوج في ذهول :
- من المتّصل ؟
الزّوجة :
- فقط السيد المدير العام .. أراد أن يخبرك ، أنّ الاجتماع تمّ إلغاءه .. والنّقابة تمت الاستجابة
إلى كلّ مطالبها .
في هذه اللّحظة الزّوج امتقع لونه ، وهو يدرك تماما حجم الورطة التي وقع فيها ، وخصوصا أنه
وعدها سابقا أن لا يكذب عليها ولو مازحاً .. بينما هي أدارت وجهها قائلة :
- ألم أقل لك آنفاً .. يا سبحان الله ، كيف تتبدّلون بين عشيّة وضحاها .
بقلم : تاج نورالدين .
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...