أمضي في سبيلي وحيدًا ..!
كعادة كل يوم أستيقظ من نومي في مسكني الذي لا يقطنه أحد غيري ، لا أسمع هدير أنفاس و لا أرى ظلال بشر ، أذهب لأحضر فطوري الذي أتناوله وحدي .
بيتي بارد ، خالٍ من الدفء و الحركة و الصخب و الضجيج الذي قد يراه البعض مزعجًا ..
بيتي لم يصبح مثلما أعتدت عليه ، أصبح غريبًا عني و أصبحت غريبًا عليه ..
قديمًا ، كان هذا البيت يعج بالفوضى و الضجيج و الحركة ، فهذه زوجتي تقف في المطبخ لتحضر لنا وجبة العشاء ، و هذان ابنيَّ يتشاجران ثم يجريان علي لأفض شجراهما و أحكم بينهما ، و هاتان ابنتيَّ تتسامران ، و أنا أقف صامتًا أراقب تفاصيلهم الدقيقة تلك ..
تلك التفاصيل بقدر تكرارها كانت هي مصدر إستمراري ، كانت هي ما تدفعني لتحمل مشاق الحياة ، فأنا أعرف أنني أترك ورائي عائلة أمثل أنا ركنها القوي ، إذا انهرت ستنهار ، كانت تلك " التفاصيل " حياة ..
و الآن بعدما كبرت و أوشكت على الرحيل ، و انصرف عني أبنائي ، كلٌ مشغول بحياته الجديدة ، و ماتت زوجتي ، لم يبقى لي سوى تلك التفاصيل و تلك الذكريات أتوكأ عليها في وحدتي ، و استحضرها وقتما احتجت لمن أخطابه و يخاطبني ..
كعادة كل يوم ، بعدما أنتهي من فطوري ، أخذ معي عكازي و أذهب للتمشية في شوراع المدينة ، أراقب الحياة عن كثب ، أرى طفلاً صغير يمسك يد والدته يسحبها بسرعة ليريها لعبة يود شرائها ، أرى شاب صغير ذاهب إلى كليته يمسك بكتبه و في عينيه نظرة حالمة ، أرى زوجان يبدو عليهما أنهما حديثي عهد بالزواج ، أرى لمعة الحب في عينيهما ، أرى أب يبدو عليه الهم ، ذاهب إلى عمله و هو يتحاور مع ذاته و صفحة وجهه تظهر انفعلاته - رحمتك بالمهموين يا إلهي - .. أراني أنا في كل هؤلاء الناس و أتذكرني أنا في كل مرحلة من مراحل العمر تلك ..
ترى ما الحكمة من أن للعمر مراحل ؟
بعد تلك الجولة الصغيرة ، أعود إلى منزلي ، أتصل بأبنائي ، لا أستطيع أن يمضي يوم دون أن أحدثهم ، مازلت أراهم صغار و مازلت أخاف عليهم ..
أخاف الموت وحيدًا و لا أخجل من قولها ، أخاف أن أظمأ فلا أجد من يناولني كوب ماء ، أشعر بالإشتياق الشديد لزوجتي ، فقد كانت تلبي حاجتي قبل أن أطلبها ، أحسبها في الجنة و نعيمها ، و لكن ترى هل مازلت تتذكرني ؟
أم أن نعيم الجنة شغلها عني ؟
أوه ، زوجتي الحبيبة ، كم وددت لو أننا الآن سويًا ، كم تخيلنا معًا في بداية لقائنا و رسمنا أحلامًا و أخذنا عهدًا على أنفسنا أننا سنبقى معًا حتى نشيخ سويًا ، و لكن هي إرادة الله النافذة فوق كل شئ ..
ما يطمئنني أنني أشعر أن روحي متصلة بالله ، أعلم أن الله يراني و أنه يشملني برعايته و عظيم لطفه ، و لكني أخاف الموت وحيدًا ..
كم تخيلت مرارًا و تكرارًا لحظة موتي ..
كل ما أوده حقًا أن يكون حولي أبنائي و أحفادي عندما تحين لحظة موتي و خروج روحي إلى بارئها ، أشعر بهم يتهامسون بأن أصمد من أجلهم ، يمسكون يدي و يضغطون عليها ، وقتها فقط سأستطيع إغماض عيني للأبد بسلام و آمان ..
-
أميرة مصطفى"ليس لي عمل أقابل به الله غير أني أحبه"