أخاف الموت وحيدًا..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أخاف الموت وحيدًا..!

  نشر في 03 يونيو 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

أمضي في سبيلي وحيدًا ..!

كعادة كل يوم أستيقظ من نومي في مسكني الذي لا يقطنه أحد غيري ، لا أسمع هدير أنفاس و لا أرى ظلال بشر ، أذهب لأحضر فطوري الذي أتناوله وحدي .

بيتي بارد ، خالٍ من الدفء و الحركة و الصخب و الضجيج الذي قد يراه البعض مزعجًا ..

بيتي لم يصبح مثلما أعتدت عليه ، أصبح غريبًا عني و أصبحت غريبًا عليه ..

قديمًا ، كان هذا البيت يعج بالفوضى و الضجيج و الحركة ، فهذه زوجتي تقف في المطبخ لتحضر لنا وجبة العشاء ، و هذان ابنيَّ يتشاجران ثم يجريان علي لأفض شجراهما و أحكم بينهما ، و هاتان ابنتيَّ تتسامران ، و أنا أقف صامتًا أراقب تفاصيلهم الدقيقة تلك ..

تلك التفاصيل بقدر تكرارها كانت هي مصدر إستمراري ، كانت هي ما تدفعني لتحمل مشاق الحياة ، فأنا أعرف أنني أترك ورائي عائلة أمثل أنا ركنها القوي ، إذا انهرت ستنهار ، كانت تلك " التفاصيل " حياة ..

و الآن بعدما كبرت و أوشكت على الرحيل ، و انصرف عني أبنائي ، كلٌ مشغول بحياته الجديدة ، و ماتت زوجتي ، لم يبقى لي سوى تلك التفاصيل و تلك الذكريات أتوكأ عليها في وحدتي ، و استحضرها وقتما احتجت لمن أخطابه و يخاطبني ..

كعادة كل يوم ، بعدما أنتهي من فطوري ، أخذ معي عكازي و أذهب للتمشية في شوراع المدينة ، أراقب الحياة عن كثب ، أرى طفلاً صغير يمسك يد والدته يسحبها بسرعة ليريها لعبة يود شرائها ، أرى شاب صغير ذاهب إلى كليته يمسك بكتبه و في عينيه نظرة حالمة ، أرى زوجان يبدو عليهما أنهما حديثي عهد بالزواج ، أرى لمعة الحب في عينيهما ، أرى أب يبدو عليه الهم ، ذاهب إلى عمله و هو يتحاور مع ذاته و صفحة وجهه تظهر انفعلاته - رحمتك بالمهموين يا إلهي - .. أراني أنا في كل هؤلاء الناس و أتذكرني أنا في كل مرحلة من مراحل العمر تلك ..

ترى ما الحكمة من أن للعمر مراحل ؟

بعد تلك الجولة الصغيرة ، أعود إلى منزلي ، أتصل بأبنائي ، لا أستطيع أن يمضي يوم دون أن أحدثهم ، مازلت أراهم صغار و مازلت أخاف عليهم ..

أخاف الموت وحيدًا و لا أخجل من قولها ، أخاف أن أظمأ فلا أجد من يناولني كوب ماء ، أشعر بالإشتياق الشديد لزوجتي ، فقد كانت تلبي حاجتي قبل أن أطلبها ، أحسبها في الجنة و نعيمها ، و لكن ترى هل مازلت تتذكرني ؟

أم أن نعيم الجنة شغلها عني ؟

أوه ، زوجتي الحبيبة ، كم وددت لو أننا الآن سويًا ، كم تخيلنا معًا في بداية لقائنا و رسمنا أحلامًا و أخذنا عهدًا على أنفسنا أننا سنبقى معًا حتى نشيخ سويًا ، و لكن هي إرادة الله النافذة فوق كل شئ ..

ما يطمئنني أنني أشعر أن روحي متصلة بالله ، أعلم أن الله يراني و أنه يشملني برعايته و عظيم لطفه ، و لكني أخاف الموت وحيدًا ..

كم تخيلت مرارًا و تكرارًا لحظة موتي ..

كل ما أوده حقًا أن يكون حولي أبنائي و أحفادي عندما تحين لحظة موتي و خروج روحي إلى بارئها ، أشعر بهم يتهامسون بأن أصمد من أجلهم ، يمسكون يدي و يضغطون عليها ، وقتها فقط سأستطيع إغماض عيني للأبد بسلام و آمان ..  


  • 11

   نشر في 03 يونيو 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

هذه القصه تم صياغتها بشكل ممتاز لكنها حزينة جدا فانا احس بكل سطر من سطورها....من منا لا يخاف من هذا الشعور
1
كنت بحاجة الى ان اقراْ مثل هذه الكلمات ,,, فاْنا اعيشها كل يوم رغم اني لم اشيب بعد ,,, ترى لمن نقول تبا , لاْنفسنا ام لزماننا ام لمن هم حولنا ام لمن سبقونا بالرحيل ,,, تحية لكي سيدتي الفاضلة
1
اسماعيل المشهداني
بعد اذنك سيدتي فقد نسخت المقال على صفحتي الشخصية ( فيسبوك ) تحت اسمكي ,,, كان المفروص الاستئذان اولا ,,, تحياتي و احتراماتي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا