لم يكن هناك شئٌ أشد ولا أصعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من انقطاع الوحي عنه فترة ما انقطع .. وهذا لم يكن أبدا إلا فعل مُحب، لا يطيق أبداً أن تنقطع هِبات الحب بينه وبين محبوبه !
فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فتر عنه الوحي بعد نزول الآيات الأولى من سورة العلق ومقابلته لورقة بن نوفل، كما جاء في البخاري، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من روؤس شواهق الجبال، فكلما أوخى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع.
وهكذا كان شأن السادة الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين .. قلوبهم سقيت بماء الحب من كوثر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعزيزٌ على قلبٍ سُقي الحب سقياً أن ينقطع عنه كلام محبوبه!
فليس غريبا أبداً أن ترى أحدهم يبكي إثر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس باكياً رسول الله _لأنه يعلم أن ما عند الله خير لرسول الله_ ولكن باكيا انقطاع وحي السماء .. فهو بكاء محب، لم تستطع رقة طبعه وصفاء روحه لوعة انقطاع كلام محبوبه.. فبكى!
"عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق بنا الى أم أيمن رضي الله عنها نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انهيا إليها بكت، فقالا لها : ما يبكيك ؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله ؟ فقالت: إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسول الله، ولكني أبكي أن الوحي انقطع من السماء ! فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها " رواه مسلم
ولا عجب، وما للمحب من التعلل إلا البكاء !
أهوى الحديث إذا ما كان يُذكر لي فيه ويعبق من عنبر أرج
وحسب المحب من كلام محبوبه أنه باقٍ محفوظ، لا يغيره زمان، ولا تبدده الأيام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال ربنا _سبحانه وبحمده_ " إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ " الحجر – 9
فاصحب ذاك الكتاب العزيز، واشعل قناديل الحب في وقت الدُجى، يكن لك من هِبات الحب نصيب !
فـــ" زيت القرآن براق قابل للإشتعال، فإن اشتعل فالخير لك ! فقط : افرك الحجر، أو اقدح الكبريت
للقرآن أسرار لا تظهر إلا بطول المصاحبة " عمرو الشرقاوي
فلتكن علاقتك بالوحي علاقة محب، لا يطفئ ظمأ روحه إلا كلام محبوبه .