من سخرية هذا الزمان أننا نضطر للرد على أحد الأقزام الذي يتطاول على أصحاب القامات العالية حيث لم يرد عليه أحدٌ حتى الآن رداً يشفي العليل أو يروي الغليل..وكأن عدم الرد عليه قد أصابه بنوبة من تورم الذات والإنتفاخ المفاجيء..فشعر أنه مفكر الزمان وهادم الصروح وفاتح الفتوح..وإغتر بسكوت الساكتين عليه فظن أنهم تصاغروا إلى جانب فكره السقيم وأنه أسكتهم بنصوع حجته وأفحمهم ببيان برهانه..بينما هو كالبعوضه لا يلتفت لها..مهما علا صوتها فهو واه..أما الآن فقد آن الأوان لهذه المهزلة أن تنتهي ولهذا القزم الوقح أن يلزم حده ويعرف قدره..ويسحق بحذاء الحق رأسه..ولا يعامل إلا كالفطر العفن يزال ويرمى مع الكناسة على قارعة الطريق..
الحق أني لا أدري من أين أبدأ بالرد على هذا الخرف فقد كثر لغوه حول حد الردة ما بين آيات القرآن والأحاديث والحوادث التاريخية..ولكني سأحاول أن أتناول ما قاله ودلسه..وما خفي عليه بسبب جهله وإندفاعه وقلة عقله وخفة فهمه وتغفيله وسوء نيته فتورط فيما لم يفقه وصعب عليه الرجوع عن طريق الطيش والضلال..وإزداد في المشي جهداً..فإزداد عن الحق بعداً..
نبدأ من حديث إبن عباس"أن علياً حرّق أقواماً لعبادتهم الأصنام فأنكر إبن عباس وقال لو كنت أنا ما حرقتهم لقول النبي لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول النبي من بدل دينه فأقتلوه"..والذي أطال فيه الهذيان فأنكر عدالة الراوي عكرمة..وقد نسي نفسه وإستخرج من بطون الكتب شوارد الأقوال الشاذة الموضوعة المبعثرة التي تسب الرجل وتجرحه..وإتبع طريق أخبار الرجال الذي يرفضه ويرده على علماء الحديث..فغاص في ما يسميه التراث ليخرج بأخبار الجرح لعكرمة..وترك من نفس التراث مئات أضعاف الأقوال الصحيحة من أهل العلم والفهم لتعديل عكرمة..فلم نعد نفهم هل هو يرفض التراث أم يقبله أم يأخذ منه ما وافق هواه ويرد منه ما يضعف موقفه..الحاصل هنا أن عكرمة من الأثبات العدول..وهو من رجال البخاري ومسلم حتى لو كان مسلم لم يأخذ عنه غير حديث..فليست العبرة بعدد الأحاديث..وأخبار ثبوت عدالته أكثر من الحصر..
ثانياً..أنكر الحديث لأنه قال أن الحدّ لم يعرفه غير إبن عباس فقط..فكيف لم يعرف الحد غير صحابي واحد مات عنه الرسول وهو صبي..ونسي هذا القزم الأحمق أن الحديث يتكلم عن تحريق عليّ بن أبي طالب للمرتدين..ترى هل كان عليّ يحرقهم حيناً ثم سيخرجهم ويعالج حروقهم..هل كان الإمام عليّ يلهو بتحريقهم؟؟أم أنه كان يقتلهم حرقاً..إن إبن عباس لم يخبر عليّ بحد الردة..فقط هو أنكر على عليّ طريقة القتل..فلا يحل له أن يقتل حرقاً لأنه عذاب الله..ولكنه لازال يحق له أن يقتلهم لقول النبي..الذي كان عليّ في الأساس ينفذه..فقتل المرتد حداً..ثابت عند عليّ لم ينكره عليه كل من حوله مما يدل على ثبوته عندهم..ومنهم إبن عباس..فليس الأمر بقتل المرتد مداره إبن عباس..وليس هو من نبه "عليّ" للحد..كما ثبت حد الردة عند غيرهم من الصحابة وفي غير رواية فهو متواتر الذكر والعمل به..ولعل أشهر حديث فيه "لايحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة" والحديث رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود..
ومن حديث معاذ عندما بعث لليمن..قال له "أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها"
ومن حديث جابر..أن إمرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام فإن رجعت وإلا قتلت..
وما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل عند بعثهما لليمن..قال "اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال أنزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال كان يهودياً فأسلم ثم تهود قال إجلس قال لا أجلس حتى يقتل..قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل"
فهذا حد الردة الذي يقول فيه الجاهل الجهول أنه لم يعرفه غير عكرمة عن ابن عباس..والحديث رواه عن ابن عباس غير عكرمة فقد ورد من طريق أنس فلم يتفرد به عكرمة دون تلاميذ ابن عباس..
مرة أخرى تطرق القزم إسلام البحيري..إلى حديث أخر صحيح وغاص في بطون الكتب ليخرج أشياءاً واهية محاولاً بها جعل الحديث مشكل مع أحاديث الردة وأن العلماء ضاق بهم المخرج من الحديث فخالفوا المنطق وإلتفوا حول الحق لكي لا يفتضح أمرهم..ونسي في غمار هذه الترهات التي شغل بها نفسه أن يفكر دقائق قبل أن يتكلم..فهذا نص الحديث في البخاري"أن أعرابياً أتي النبي فبايعه على الإسلام فأصابه وعك فأتي النبي فقال له يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى رسول الله فقال يا رسول الله أقلني بيعتي فأبي الرسول..فقال يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى فخرج فقال رسول الله المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها"..ف إدعى أن الرجل طلب إقالته من الإسلام وخرج دون حد الردة ولم يطلبه الرسول أو يطبقه عليه..
وعلينا أن نسأل ذلك القزم..ما هو المفترض أن يفعله رجل خرج من الإسلام وكفر..هل يذهب ليستأذن النبي الذي كفر به ليخرج من المدينة؟؟..هل البيعة كانت حبلاً يربطه في سارية ليقول له أقلني بيعتي..أي رد عني الإسلام؟؟هل يفترض فيمن يكفر بالنبي..أن يذهب له ويناديه "يا رسول الله" أم يقول له "يا محمد"؟؟ثم ما هي الفائدة التي تعود على الكافر من الإستئذان في الخروج؟؟المدينة المنورة ليست ذات أبواب ليفتحها له الرسول ليخرج..ثم ما هي التبعات التي تلحق بالكافر إذا خرج ولم يستأذن؟..أم أن الصواب أن يفترض به أن يخرج من المدينة بغير إستئذان..؟؟
إن لفظ متن الحديث واضح كالشمس في أن الرجل ليس مرتداً عن الإسلام ولم يقصد الإسلام بطلبه إقالة البيعة..وإلا فقد خرج الرجل من غير إذن في النهاية..فكان أولى به ك "كافر" بالملة أن يفعلها من البداية بغير إستئذان أو إثارة شبهة الكفر حول نفسه..والرسول لم يراجعه في عرض الإسلام عليه أو معالجة ما دعاه للكفر..مما يدل على أنه أصلاً لم يكفر ولم يرتد..فما هي البيعة التي أبي رسول الله أن يقيله إياها..إنها بالطبع إقامته في المدينة وإتضح هذا من فعله في النهاية أنه خرج رغم رفض الرسول..لأن الهجرة كانت فرضاً قبل الفتح..وكانت علي الأعراب من يسلم منهم أن يهاجر إلى المدينة حتى رفع الحكم بعد فتح مكة وقال النبي "لا هجرة بعد الفتح"..وكان الرجل أصابه وعك وحمى في المدينة فكرهها..وأبى عليه الرسول أن تضيع عليه هجرته..فآثر الخروج على الهجرة..فهو تعيس شقيّ..فقال الرسول المدينة تنفي خبثها..أي ما خبث من النفوس..وليس في الخبث دليل على الكفر..فإنما يوصف الكفار والمشركون بالنجس وليس بالخبث..ولكن يخفى هذا على مثل البحيري ممن أضلهم الله وختم على سمعهم وقلوبهم وجعل علي أبصارهم غشاوة..
ثم نأتي لما تحدث عنه من أنه لا توجد حجة عقلية لقتل المرتد..وهو كدأب أمثاله جميعاً يهرب من النصوص إلي الحجج العقلية..تشابهت قلوبهم..ومع هذا فإن الحجة العقلية السليمة تلح على ضرورة قتل المرتد بالمعنى المخصوص المحدد في الفقه للمرتد..فالمرتد واحد من إثنان..إما رجل يرتد عن الإسلام ويبقى مختفياً بكفره لا يجهر به..وهذا يكون غير معروف بين الناس ولا إشكال معه ومادام يظهر الإسلام بالشهادة فهو معصوم الدم والمال وحسابه على الله..أو شخص يخرج على الناس فيعلنها صريحة..ويلقي سموم فكره في الناس ويدعوهم لما نفره من الإسلام..ويلقي عليهم الشبهات التي فتنته..ودائماً لا يخلو الأمر من التعدي على شخص النبي وعلى القرآن تلميحاً أو تصريحاً..وهذا بكل مقاييس العقل والحكمة والفطنة هو "كافر حربي" والكافر الحربي واحد من إثنان..إما كافر يرحل من ديار الإسلام إلى ديار الحرب..وهذا لن يلاحقه المسلمون ولن يطلبوه..أو محارب مقيم على أرض الإسلام معلناً العداء لهذا الكيان..فنحن لا نحتاج إلى نص مخصوص لقتله..إما يرحل أو القتل..ولا أعلم ولا أظن البحيري يعلم دولة على الأرض تكون في حالة حرب مع دولة أخرى وتسمح لأفراد من العدو خاصة الناشطين في العداء..أن يقيموا على أرضها..إما تطردهم أو يقتلوا..فهو حكم عقلي في القوانين الوضعية وهو موافق للعقل والفطرة والوحي والشرع..ولا يختلف عليه إلا من على شاكلة البحيري..
وهنا أنقل كلاماً كتبته في مقال سابق إسمه "حد الردة في مواجهة الزحف الوثني" ولعلي أختم به حتي لا يطول المقال أكثر من ذلك وللكلام بقية إن شاء الله أفصل فيها باقي شبهات الدعيّ الجاهل القزم الوقح البحيري
-
sameh shawkyسامح شوقي صيدلي المدينة المنورة