كنت أصغر من أن أحس بألم في القلب وأكبر بكثير في احساسي بالحب،قد تعتبر هذا الأمر عاديا لكنها كانت فرصتي الوحيدة بأن أرتشف من النبيذ الأحمر وأن أصعد درجات في مقام العشق،رغم أني كنت موقنا أن الشعور لم يكن قط متبادلا،فالذبذبات سرعان ماكانت ترتدّ خائبة،وكيف يمرّ التيار الكهربائي إن لم يكن القابس مغلقا، صحيح أني كنت صغيرا على ذلك، وحري بي أن أعترف بإقتناعي التام بعدم استمرار ذلك الهوى الزائف(كما اعتبرته في لحظة نكران) وأنها كما قال بعض أساتذتنا وقد أطنبوا في تكرارها "فترة مراهقة وطيش وتمرد" ،لكنه كان حلما جميلا لازال يرافقني إلى يومي هذا وساعتي هاته؛ولولا الحنين لما زعمتُ أن أكتب هاته الأسطر؛ومن ذا لا يعترف بتلك اللحظة التي تتحرك معها عضلات القلب ويحمرُّ فيها الوجه وتقشعر لها الأبدان،لحظة لقاء الأعين وتسارع النبضات وصعوبة التنفس لدرجة الإختناق،كانت فرصتي الوحيدة لرؤية ملاك يمشي بين الناس. أجل كنّا صغارا لكننا كنا نعيش في أبها أوجه البراءة والصدق والوفاء؛وفاء جعلني أتقفى خيالها كل يوم وأترقب طلتها من بعيد،وكم كان الخجل يعتريني كلما تحدثت اليها ببعض كلمات وإن كان غالبها عن أمور الدراسة،ومن ذا لا يقف وجلا حيران لجلال وجمال المعشوق؟ وكم هي حلوة لحظة الإنكسار تلك. نعم أحببتها أكثر مما ينبغي لا لجمالها ولا لروحها ولكن لإدراكي بأن حبلنا قصير وسرعان ما سينقطع شريان الوصال،ويمضي كلانا إلى ذكرى الاخر. في حياة المرء توجد العديد من المحطات؛لا أقول أن المرء كالقطار أو الحافلة، فيوجد من يعيش حياته طولا وبسرعة ويوجد من يعيشها طولا وعرضا مكسرا صيغة المألوف المشؤومة؛وعليه أن يستغل كلّ محطة ويستنبط ماهية وقوفه فيها،ومن الذي يعتبر نفسه قد عاش وهو لم يختبر نفسه في لحظة حب أو لحظة ألم أو نسيان؟. والحب محطة الله المهداة لعباده على البسيطة...ولولا ذلك لما خلق لكل نفس زوجها وشقيق روحها ومكمل وجودها،وعليك أن تعلم أن في حديثي هذا لا أتحدث عن نوع الحب السوقي الواقف فقط على لغة الجسد ولكن عن نوع أرقى لا مرئي تتجلى تراسيمه في عالم الأرواح، نموت فيه موتة واحدة ونحيى مرات ومرات...، وكم من زهرة كادت أن تذبل لولا قطرة ماء،وكم من منازل أضحت مظلمة لولا نور السماء. هي معان تخرج عن خانة إدراكنا الإرادي لتلتمس مكانها في اللاوعي المسؤول...صحيح أننا كنّا صغارا لكن كما علّمونا فإن الطفل يعيش في عالم فطرة...والحب فطرة،وفطرتي أعادت لي ذكراها لترتسم بين عيني حرفا حرفا حتى نفذ القاموس من المعاني...وأقول في نفسي حينها ألا ليت الصبى يكتسب الأبدية لتظل الذكريات واقعا والواقع أحداثا زمردية،وأحيا أنا بالفطرة محبا لها مطيعا لأمرها لا يمر اليوم إلا بصوتها البلسمي المداوي للجراح،وأقول في حين اخر "يا أناي...ألست هي المحبة انفا؟ أم أن للزمان وقع التغيير والكسر؟" وأقول أخيرا لأبي الذي كان يقول لي"متى تكبر يا ولدي متى تكبر وتتعلم" ألا إني قد تعلمت من صغري يا أبتي ما لم تظفرنيه أيامي هاته وأدركت قيمة الوجود قبل الموجود...وأحسست يا أبتي بالحب لا بالهوى وكنت أنا البداية وهي المنتهى،يومها عندما كنّا صغاراً.