منذُ عامٍ تقريبًا حضرتُ الورشة الأولى للتواصل غير العنيف .. أذكرُ جيدًا جلوسي أنا ورفيقتي في مقعدين متجاورين نُلقي نظرة مليئة بدموع "التراحم" بين الحين والآخر على بعضنا البعض .. كانت لحظة تواصل جمّ بيننا لا أنساها أبدًا .. كما لا أنسى كيف بدأ المحاضر بتعريف نفسه وهو الطبيب الذي جاوز الستين عُمرًا وله باع علميّ كثير .. قال "أنا أحمد" .. وصمتْ :)
نعم .. لم يزد عليها حرفًا .. فقط "أنـا أحمد" ..
استوقفني فعلُه هذا ولم أغادره حتى اللحظة ! ولا أدري إن لاحظ أحد الحاضرين تلك الروح البسيطة التي تقف أمامنا .. كان يُحاضر عن الإنسانية والتراحم .. فأراد أن يعرفنا بالإنسان فيه .. أحمد الإنسان لا أحمد الطبيب أو أحمد الزوج أو الأب ..
ما يربطُ هذا المشهد بالتبسيط هو "الحُرية" .. ما كنتُ أراه أمامي كان شخصًا بسيطًا حُرًا .. كنتُ أشعر وأرى الحرية في كل شيء فيه.. في نبرة صوته وحركة جسده وحتى تعريفه لنفسه .. كان حرًا ! فقد حرر نفسه بنفسه !
كنتُ أظنني حرة .. لكن حينما ذقت الحرية عرفت أنني لم أكن حُرة أبدًا !
نظنُ أننا نملك الأشياء لكنها تملكنا أيضًا !نملك الثوب لكنه يملكنا ويجبرنا على الاعتناء به وغسله وكيه وتوفير مكان له في خزانة ثيابنا.. نملك السيارة لكنها تملكنا وتجبرنا على شراء الوقود لها والحفاظ عليها من الصدمات .. إدراكنا لذلك ووعينا به وبالثمن الذي ندفعه مقابل كل شيء نظنُ أننا نملكه، يجعلنا نعيد التفكير جيدًا، ونسأل أنفسنا "هل ما نأخذه يستحق فعلا ما ندفعه من حريتنا في المقابل؟! "
هذا تحديدًا ما لمسته في نفسي حينما بدأتُ آخذ الحياة على محمل البساطةأكثر ! تحررت من نفسي التي كانت تُعطي قيمة للأشياء أكثر مما تستحق وتعطي قيمة لآراء الآخرين فيها ونظرتهم لها وتُقيد نفسها بذلك وهي لا تشعر !
أدركتُ أنني سأكون البطلة في رواية أحدهم والشريرة في رواية آخر والمسكينة أو المظلومة في رواية ثالثه !
وأدركتُ أنني لستُ ما أملكْ ولا ما أرتدي ولا مالا أرتدي! لستُ ما أتعلم، ولا ما يراهُ الناسُ فيّ من خير أو شرّ .. بل ما أراهُ أنا وما أجدده في نفسي يوما بعد يوم وعامًا بعد عام !
أنا زهرة .. هذا اسمي وصفتي ..
اسمي الذي اختارته لي أمي بينما تقرأُ رسالة في الجريدة من فتاة إلى أبيها خلف القضبان، رسالة بليغة أبكت أمي فرأت اسم صاحبتها وكان "زهرة" .. فكنتُ زهـرة !وصفتي التي أكتشفُها عامًا بعد عام ! .. ففي عامي التاسع عشر رأيتُني كتلك الزهرة التي تقاوم القبح وتقاوم كل الأسباب التي تدفعها للاستسلام، وتنمو وتزهر ! تقاوم مهما بدت وحيدة… فربما هناك زهرة أخرى في مكان آخر في هذا العالم تقاوم لأجلي .. أقاوم ﻷجلها ! لستُ وحدي :’)
أما عاميّ العشرون والحادي والعشرون .. فقد كانا خريفي الذي سقطتْ فيه كُل أوراقي لأبدأ من جديد .. وللمفارقة فقد كانا عاميّ وحدة حقيقية .. كأنّ آخر كلمة كتبتها قبل أن أصمتْ تقريبًا لعامين كاملين هي "لست وحدك" فأكتشف فعلا أنني "وحدي" .. وسأحكي عن هذا يومًا !
وهذا العام -عامي الثاني والعشرون- رأيتُ الزهرة الحرة البسيطة .. الزهرة التي لا تخضع لقيود أحد .. هي زهرةٌ فقط :) زهرة الإنسانة ... ليست الفتاة التي تدرس الطب ولا تلك التي تتعلم الكروشية ولا التي تكتب لآمنة ولا الطاهية ولا الصديقة ولا القارئة النهمة للنثر والشعر ..
أدركتُ أنني لستُ أيا مما سبق، أنا كُل ما سبق ! وتلك بتلاتي التي تكوّنني في صمت وجمال .. لا يمكن لأحدٍ أن يأخذ واحدة منها ويقول "هذه زهرة" .. وكذلك لا يمكن لأحد أن يأخذ واحدة منها ويقول "لم تعودي زهرة " .. لأنني تحررتُ من قيدهنّ .. أنا كُلهنّ ! ببساطة :)
-
زهرة الوهيديأكتب... لأنني أحب الكتابة وأحب الكتابة... لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا” رضـوى عاشور :)