أدركت يومها كم هو مرعب حزنها..
فتاة صاخبة في صمتها لم تكن لتلتزم الهدوء بذلك الشكل ..
لكنه كان صمتا استثنائيا حينها..
كان صراخ حزن.
كان قد مضى يوم كامل دون رسائل منها ..
و هي التي اعتادت أن ترسل لي برسالة في كل مرة تزورها فيها فكرة مثيرة..
لكنها في ذلك اليوم التزمت الصمت على غير العادة..
و قد أرعبني ذلك.. أرعبني كثيرا..
لم أتمالك نفسي و اتصلت بها أخبرها بأني سأنتظرها مساء في مقهانا المعتاد .
أجابتني باقتضاب "حسنا، سأكون في الموعد " .. و أغلقت الخط !
أدركت حينها أن هناك أمرا جللا.. و أن فتاتي النابضة بالحياة قد ضلّت طريقها..
حضر المساء .. و حضرت معه..
دون أناقة و لا اهتمام بمظهرها !
لم ينقص ذلك من جمالها شيئا بالطبع، لكنه أضفى إلى وجهها الشاحب سحنة من الكآبة..
و كأن ضبابة سوداء تحلق فوق رأسها و لا تفارقها..
ألقت السلام علي دون ابتسامتها المُحِبّة ثم اتخذت مكانها بجانبي.. و صمتت.
صمتها ذاك كان له من الهيبة ما صعّب علي مهمة سؤالها..
هممت بفتح فمي لألقي السؤال المنتظر بعد أن استجمعتُ جسارتي و هزمتُ ترددي ..
و إذ بها تلقي بجملة أردتني أخرسا بلا هوادة..
" توفيت جدتي صباح هذا اليوم ".
لم تكن تلك مجرد جملة إخبار بما استجد في حياتها.. و إنما استنجادا، طلبا للإمتناع عن العتاب، و اعتذارا عن الغياب في آن واحد.
تجمعت في رأسي في تلك اللحظة كل الصور التي أرتني إياها رفقة جدتها..
كل الأحاديث التي تضمنتها..
و حتى اللمعة في عينيها حين تحكي لي عن مغامرتهما معا.
دون صراخ ولا بكاء.. أسندت رأسها على كتفي و استكانت ..
فرافقتها في صمتها..
استسلمت المدينة كلها للصمت يوم ذاك.. بشوارعها و سمائها و سكانها..
كيف لا و منبع الحيوية فيها قد خمد؟!
كيف لا و حبيبتي قد ذبلت !؟
-
Tasnim_NASSIRIكاتبة شغوفة في أول الطريق