لا يزال الحزن يعتريه ، و قلبه يعتصر ألما كلما يتابع الوقائع و الأحداث ، فيعرض على نفسه إستفهامات من الماضي و الحاضر ، كيف وصلنا لدرجة كره بعضنا ، كيف حمّلنا الجمع جناية العصابة ، كيف ألصقنا بالأهل ما أراده الوحش المتربص بنا ، عندما زرع بذور الفرقة و رسم خطوط الحدود و رسّخ فكر الولاء لقطعة الأرض التي نعيش فيها ، و قطعة القماش التي ترمز إليها ، متناسين أواصر أعمق اختارها الإله لنا دينا ، و الأخوة عنوانا و البراء عقيدة.
رفع قلمه و خط كلمات نابغة من حسرة عميقة ، استنطق جراحات الفؤاد فأذاعت عبارات و أقوالا شاكية للقهار ما فعلت براقش بأرض الأوس و الخزرج ، و كيف هدم راعي البقر ارض بابل ، و كيف اتحدت قوى الشر جميعا على مسح ارض الشام من الخريطة ، و كيف تم تكريم الجلاد على انه الضحية ، و كيف تم تدمير بيوت آهل الدار و صنفتهم مع صناع الأزمة و القضية ، و تفنن الحشد في صياغة قصائد الدعم للحاقد على أنوار دمشق مهد حضارة البشرية.
لهبت مشاعر الدمار في جوفه أينما ولى وجهه صوب المشرق أو المغرب أو استدار تجاه منابع تاريخ العرب أو أهل الكعبة ، فكتب عن صراخ الأطفال و النساء و تفطر القلب حزنا على جوعهم و فقرهم و مرضهم و خوفهم ، الدموع في كل مكان و الدماء أودية تسقي الأحزان و تنبع من غرف الظلام بأيدي الخونة الأشرار ، و الأفق يبتعد كبكاء الأمل في قلوب من يحن لأيام العز و الكرامة و حضارة الفاتحين.
خطت الأقلام شهادات ووصفت الخيانات و نقلت إلى الضحايا التصريحات و التنازلات و الرقصات ، فتحول العقل إلى محرك حقد و الأسى إلى مصدر الهام و الألم إلى ذريعة تجدها في غالب الأحوال تحرق الأخضر و اليابس ، و تجرّم الحاكم و المحكوم ، فكرهنا بعضنا لأجل قرارات حكامنا ، فمن نصر راعي البقر نذمه و أهله و بني جلدته ، و من تواطؤ على تسميم أهل الشام نسمّمه مع مواطنيه ، ومن هدم العراق و ليبيا و اليمن سنكن له الكره و الجفاء و ندفع في زمرته أبناء بلده ، فنحقد و نكره بضمير الجمع ، و نحصر الضحية و الجلاد و المكره و الأعزل في نفس الوعاء ، لنصل في النهاية لكره الجميع حتى أنفسنا ، و نفقد الثقة في الكل و نجرّم الأغلبية .
بعدما ينتهي من كتابة المقال ورسم الأفكار ، يستشعر حجم الدمار و المرارة في وجدان الصامتين من الأخيار ، و حرارة آلام الباكين سرا بعيدا عن الإعلام ، الكاظمين الغيظ طاعة لرب السماوات و رب الأكوان .
يعود لواقعه داعيا القلم ليخط باليمين خاتمة المقال ، مبتعدا عن الذاتية ، متسلحا بالمصداقية ، حالما أن ينطق الحاكم بجراح الرعية ، المتمنية دعم الروح الأخوية و الجوار و ما تمليه تعاليم الشريعة الإسلامية البعيدة عن الحقد و العنصرية ، رغم فرط الحماسة و أثقال الجمال في التاريخ و البطولة ، مبديا الأسف و الأسى و داعيا المولى إصلاح الراعي و الرعية ، و التفطن لخطط من يسعى لهدم البشرية .....فقط يتمنى أن تغلب النزاهة على العنصرية.
محمد بن سنوسي
14-04-2018
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع