إن الثورات الناجحة التي شهدها التاريخ الإنساني منذ العهود الغابرة إلى الوقت الراهن،بلغت مرادها ليس بتضحية المنتفضين فيها،والمحركين لها،واستماتتهم وأريحية صمودهم فقط،بل بوجود زعيم ملهم ،وقائد حكيم يزاوج بين الهدوء والتواضع،وبين الذكاء ورجاحة التدبير،وبكل هذه الأقانيم الفاعلة،والمواصفات المتميزة،يستطيع استدراج الثورة صوب أهدافها في التغيير المنشود.
وأمثل برهان على ذلك ما حدث في روسيا إبان الإنتفاضة البولشفية في أوائل القرن الماضي،ولقد تفتقت شرارتها عن الطبقة البروليتالية متبنية فكر الفيلسوف الألماني "كارل ماركس"،لكن تتويجها الباهر يرجع بالأساس إلى زعيمها الحكيم "لينين" بنظرياته السياسية والاقتصادية المرنة،ورؤاه الاجتماعية الثاقبة،والمتشبعة بالفكر التقدمي الماركسي المبلور بإحكام شديد،وحس فلسفي متغلغل في أغوار الحقائق الواقعية للمجتمع الروسي،وخباياه النفسية والفكرية المتفاعلة تفاعلا متناغما مع خصوصياته الوطنية والحضارية.
وإلى مثل هذه القيادة الرزينة والمحنكة،افتقرت الثورات العربية الأخيرة، فكانت ربيعا زائفا معتوها،وإعصارا يحصد أرواح الأبرياء،وينسف الحضارة التي اجتهدت الأجيال السابقة في ترسيخ دعائمها.
ومع ذلك،من المتوقع جدا أن يكون الفشل الفظيع الذي مني به الربيع العربي،بداية لإنتفاضات مستقبلية أكثر نجاعة،وقدرة على المضي بالشارع العربي إلى إحداث الإصلاحات السياسية المتوخاة،شريطة انبثاق قيادة الإصلاح من رحم الإنتفاضة.
فهل هذا المطلب الضروري ممكن..؟ وإلى أي حد يستطيع الشارع العربي أن يخترق هيمنة اللوبيات الديكتاتورية ويطيح بها،لا سيما أنها مدعمة بالإقطاعيين العرب،ومن يستفيد من الثروات العربية المستغلة ببشاعة..؟