بعد رجوعي من السفر..
دخلت الحمام، الذي أعدته قبل خروجها، إسترجعت ذكرياتي في كل شبر من أركانه، إمتلأ بانيو الحمام بماء فاتر، ورغوة صابون، ممزوجة بروائح الأعشاب الطيبة، لم أستطع تميزها، شموع بمختلف الألوان، كحمام إستوائي. إسترخيت وسطه، شاردا، مستلقيا على ظهري، نافتا دخان سيجارتي إلى سقف الحمام، مغمض العينين، كساكن قبر.
مر وقت ليس بطويل، ضجيج صرير الباب يفتح بهدوء، كظل ملاك، وقفت فوق رأسي، وكأس نبيذي في يدها، رائحته كمسك تفوح في الأرجاء، منتشيا لحلاوة المذاق، ومداعبة يدها على كتفي كحركة مدلكة خبيرة، مستسلما للحظة، سامعا لموسيقى تركية صوفية منبعثة من غرفة النوم. رن جرس الباب الرئيسي، هرولت لتفتحه، بحركة خاطفة جذبتها نحوي، واضعا أصبعي على فمي، مشيرا لها بعدم الكلام، ضممتها على صدري برشاقة في حوض الحمام المملوء، بثيابها الشفافة، مقبلا شفتاها بلطف بالغ، محدثا صوتا خافتا في الماء و الصابون، عربونا لرفضي لأي شخص أراد أن يعكر خلوتي، بحبيبتي، في هاته اللحظة بالذات؛ لست على إستعداد لأنتظر حتى سريري، فما بالك بأي شخص آخر، مهما بلغ مقامه، جاء لزيارتي ؟؛ غريزتي كانت أقوى، وقت قصير، إنتهى كل شيء في وضع مضموم تحت الماء، ودقات الباب وصيحات الزائر ورنين الهواتف النقالة...
إستجمعت قواي، صارخا من الحمام، من الطارق؟ آشكون؟.... إنتظر ..... بلاتي ... لم أعر رنين الهواتف بأدنى إهتمام، متجها في الرواق نحو الباب، مهرولا، ملتحفا فوطة، تغطي نصفي الأسفل؛ بقع الماء ورغوة الصابون الملتصقة بجسمي تتقاطر على السجاد الأحمر، المؤدي إلى الباب، غاضبا، صائحا : آشكون؟، بصوت حزين يجيبني: شي صدقة على الله؟؛ نباح كلبي كان قويا ومدويا، شفع لي في الإجابة على السائل، فلدي من الحقد ما يكفي لأرسم الموت في اللحظة هاته.
لكن إبتسامتها الخجولة، ووقوفها متكئة على الباب، وابتلال ملابسها، وجمال، وروعة المكان، وهيام اللحظة، أجبروني على إطلاق ضحكة وقهقهة طويلة، ساعدتني على إتمام عملية إغتسال بدني وطهارة روحي واستمتاع غريزتي، ساخرا، ضاحكا، لاهيا، جالسا وسط الحوض، مرددا، مداعبا، راجيا حبيبتي: شي صدقة على الله؟
أتممنا لقائنا على السرير، بعد غيبة سفر لرؤية الأصدقاء، كأحصنة جانحة تتمرغ في تراب الحظيرة؛ مر الوقت بسرعة الضوء، أدان المغرب كان مسموعا. شعرت بجوع صائم وشهية مفتوحة، إشتقت كثيرا، كامرأة تتوحم في بداية حملها، لكل أنواع مأكولاتها، لصحونها المملوءة بما لذ و طاب، طلبت مني إرتداء ملابسي، وقت مستقطع، لتجهيز المائدة، إسترخيت على مخدتي، محاولا إستجماع قواي المنهارة، فغفوت، بشخير مسموع، في نوم عميق....
سعيد تيركيت
الخميسات - المغرب - 29 / 07 / 2015