تمرّ اليوم عشرُ سنوات على اندلاع شرارة الثورة في تونس على نظام زين العابدين بن علي، وفي هذا اليوم أضرم طارق البوعزيزي (وليس محمد كما روّجت لذلك وسائل الإعلام)، بائع الخضار المتجول، ابن سيدي بوزيد، النار في نفسه ردّا على معاملة شرطية له، لتبدأ احتجاجات واسعة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسة، قوبلت بالقمع. توفي البوعزيزي بعدها بأيام، وأدت موجة الحراك إلى إسقاط نظام بن علي الدكتاتوري بتاريخ 14 يناير 2011 وهروبه إلى السعودية.
كانت أحداث تونس محفّزة لظهور الشرارة نفسها في عدة دول عربية مثل مصر وليبيا وسوريا، وتأخر الحراك في الجزائر التي ظلت تعيش هاجس انتقال تلك الموجة إليها، فسارعت إلى إلغاء حالة الطوارئ المفروضة منذ 1992، وصدرت مجموعة قوانين كقانون فتح مجال الإعلام الخاص، وتعديل قانون الانتخابات والأحزاب، إلخ. لقد أتى حراك الشعوب العربية كردة فعل على سنوات طويلة من الحرمان النسبي (اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا) وتكميم الأفواه، وغياب عدالة في توزيع الثروات التي تركزت في يد فئات معينة، وقد نجح في إسقاط النظام والطغيان في بعض الحالات وصولا إلى الحالة الجزائرية (حراك 22 فبراير 2019)، لكنه أنتج بالمقابل تناقضات عديدة وكشف نفاق وتآمر الدول العربية على بعضها البعض بصورة دنيئة.
تونس اليوم، وبعد عشرِ سنوات، لا تزال في طور ترسيخ العملية الديمقراطية، ولا تزال تشهد أزمات ظلت مرتبطة بفترة الانتقال الديمقراطي. ومصر عادت لتنتج نفس المنظومة ونفس الطغيان بعد الانقلاب على حكم محمد مرسي في 2013. أما ليبيا وسوريا واليمن فقد دخلت في موجة أكبر وأخطر من العنف اللامتناهي.. وبالنسبة للجزائر، ورغم الدروس التي قدّمها الحراك الشعبي السلمي والحضاري فضلا عن مرافقة المؤسسة العسكرية له، فقد تم إنتاج نفس النظام للأسف مع خنق الحراك!
تناقضات عديدة رافقت ونجمت عن تلك الموجة منذ نهاية 2010، بالإضافة إلى ارتفاع حالة انعدام الأمن وارتفاع معدل الإرهاب والتطرف الديني العنيف وأعداد اللاجئين، وقد استثمرت الجماعات المتطرفة وتنظيمات الإرهاب والجريمة المنظمة في الفراغ الأمني وانكشاف الحدود، ففي ليبيا مثلا انتشر السلاح بين القبائل بعد مقتل القذافي، وأصبحت سوريا بيئة منتِجة وحاضنة في الوقت نفسه للمتطرفين العنيفين بالتزامن مع انتشار "داعش"، وحتى التدخل الأجنبي كان يهدف إلى القضاء على هذا التنظيم الإرهابي وليس على نظام الأسد!
ومع استمرار الاحتقان الداخلي وأزمات عدم الاستقرار السياسي والأمني بعدد من الدول العربية، تبقى أطروحة الإصلاحات والتنمية والأمن معلقة لأنها في صدام دائم مع المستجدات والصراعات الداخلية وصراع المصالح الدولية.
معرفة التاريخ مهمة لمعرفة الحاضر ..
أ. عمارية عمروس
-
عمّارية عمروسأستاذة وباحثة جزائرية، متخصصة في الشؤون الأمنية والإستراتيجية. شاركت في عديد الفعاليات العلمية داخل وخارج الوطن، ولي دراسات ومقالات منشورة.