الأستاذ/ مارتن ديمورتاو.. أنا؛ داهية القانون أستاذ الأساتذة العظيم كم ضيعتُ حقوقًا وكم زوّرت من شهادات وكم من أناسٍ أبرياء ألقيتُ بهم في غياهب السجون.. أنا.؛ كنت أتوقع بل وأنتظر اليوم الذي تأتي فيه عقوبتي القاسية وتحلُ عليّ عدالةُ السماء وأُعاقب علي جرائمي؛ توقعت الذل والسجن والقهر كما فعلت في غيري لكني لم أرتجف لحظة حين تأتيني تلك الخواطر لأني.. أنا؛ أنا شيطانُ علي هيئة بشر لم أفعل خيرًا قط وعندي من الجبروت والطغيان ما يكفي العالم فكيف أخشي السجن أو القتل؟!
وها أنا الأن في طريقي إلي السجن ظنًا من هؤلاء الحمقي أن تلك اطريقة ستهذبني أو تجعلني أندم وأتوب.. أنا!! أنا خيرٌ منهم أنا الرابح دائمًا؛ لكني لا أستطيع أن أتذكر حاليًا علي أي جريمة أُعاقب؟!؛ عفوا .. عفوا نسيت ُ أن أُخبركم بشيء هام جدًا تذكرته للتو؛ إن السجون في ولاية "تيكفوطاغن" تسمي سجون "الاسبسيالريماغ" أي أنها تكون سجون تخصصية؛ كلُ جريمة لها سجنٌ خاص بها ومن هنا جاءت التسمية في لغتنا؛ "سبيسيال" تعني متخصص وتشبه إلي حد كبير اللغة الفرنسية؛ أما "ريماغ" فتعني الجريمة.
الكثير هُنا يحبون "الاسبسيالريماغ" لأنها تساعد بشكل كبير في انخفاض معدل الجريمة في بلدتنا كما أن بعض المتفلسفين يرون أنها هذا هو المكان الوحيد الذي تتحقق فيه المساواة؛ حين تضع كل القتلة مع بعضهم البعض فأمامهم خياران يقتلون بعضهم بعضا أو يحترمون بعضهم بعضا فيعيشون في سلام فتخمد نيران الشر داخلهم مع مرور الزمن حين يتساوون في مهابة بعضهم البعض وفي خطورة بعضهم البعض؛ أنا حقًا أكره ذلك النظام فلمَ لا يجتمع كلُ المجرمون مع بعضهم البعض باختلاف جرائمهم في نفس السجن فيتبادلون الخبرات عن الجرائم المختلفة وتُورثَ فيزداد معها الشر الذي يعطي لهذا العالم الكئيب لذته؟.
أنا سعيد للغاية لأني بجرائمي عندي رفاهية اختيار أي سجن لأي جريمة فقد ارتكبتهم جميعا.. تبًا لذاكرتي؛ أنت يا ولد إلي أي سجنٍ نحنٌ ذاهبون؟ شكلك يوحي بأنك مُحتال إذًا أنا حوكمت في قضية احتيال أو تزوير صحيح؟؟ ولماذا أنت عابس هكذا ابتسم يا ولد وافخر بذكائك فالمحتالون عملة نادرة.
لا يا سيدي في الحقيقة نحن ذاهبون إلي سجن "الهيفونريماغ" أو "الهيفون" كما نسميها.
الهيفون!!! هل هذا نوع جديد من الاسبسيالريماغ؟ أنا لم أسمع به من قبل يا ولد! أتهزأ بي؟؟؟
سيدي اهدأ؛ وانظر إلي بدقة إنك تعرفني جيدًا.
ما هذا!! إنك تشبهني تمامًا عندما كان عمري عشرين عاما كيف ذلك؟ لا يوجد أي فرق بيننا نفس الملامح نفس الصوت وحتي نفس ملابسي القديمة من أنت؟؟.
أنا مارتن ديمورتاو سجّان الهيفونريماغ يا سيد مارتن ديمورتاو؛ سأعطيك حقك القانوني في فهم ما يحدث لك حاليًا.
أرجوك لا تقتلني يا بُنيّ؛ أنا غني جدًا وسأعطيك ما يجعلك تعيش أميرًا بدلًا من تلك المهنة المُهينة.
لا تخف سيدي إنك لن تموت فالموت أهون بكثير من الهيفون؛ الهيفون وتعني العقوبة الأعظم في بلدتنا وبالتأكيد أنت لا تعرفها فأنت لستُ فاقدًا للذاكرة كما تظن ولكن الهيفون لا وجود لها في كتب القانون التي تحفظها عن ظهر قلب وتستغلها في ظلم البشر؛ الهيفون لا ظلم فيها؛ الهيفون هي العقوبة الوحيدة التي يمكنها تأديب أمثالك.
أنا لا أفهم شيئًا!!
أن تجعل شخصًا يشعر بالقهر والظلم فتأتيك العقوبة علي ذلك في صورة شخص أخر يذيقك مما قدمت يداك باتت طريقة مخالفة لنظام المساواة في ال "سبيسيالريماغ" فهذا يعني إنتاج ظالم جديد ليظلم ظالمًا أخر وهُنا لا ينتج الإصلاح المرجو من عقاب الظالمين لذا كان علي حُكام الولاية ابتكار طريقة جديدة للحد من وجود الظالمين وفي نفس الحين عدم الافلات من العقاب؛ وبمساعدة أعلم حكام ومستشاري وعُلماء الأرض توصلوا إلي الهيفون وأنت سعيد الحظ الأول الذي سيذوق نارها.
كما سبق وقُلتُ لي أنا أنت ولكن في سنً أصغر ؛ فأنا نُسختك الطيبة التي لم تحبها قط؛ كما تعلم يا سيدي أن في عقيدة دين بلادنا أننا نؤمن بأنا نوضع في المعبد عند ولادتنا ونُترك لفترة أمام صندوقين (أبيض وأسود) فنلتقط إما روح هذا أو روح ذاك فنكمل بها حياتنا؛ علماء الولاية استطاعوا صناعة مجسم بشري صناعي شبيه تماما بجسد المذنب في بداية شبابه وبمساعدة علماء الدين داخل المعبد استطاعوا اكساب هذا المجسم الروح بطريقة معاكسة لروح البشري الحقيقي؛ كشيء مشابه لذلك الفيلم الأميركي "the island" ؛ بمعني أنك اخترت روح الشر فأنا أكتسب الروح الطيبة في الصندوق الأبيض والعكس.
وما الغرض من ذلك؟ ما الفائدة؟؟
العقوبة تكمن هنا أنك ستُسجن في سجن نفسِك وتُعاني من ظلم نفسك لنفسك؛ أنت اسمتعت بظلم الطيبين فالأن ستُعاني من روحك الطيبة؛ فكما قُلت لا فائدة من ظلم ظالمٍ لظالم؛ فحين نصل إلي سجنك الخاص ستري طريقك الأخر الذي دائما كنت تعرفه ولكنك رفضت أن تخوضه لضعف نفسك؛ ستري كل فرصة فاتتك في طريق الخير ؛ تري النجاح الحقيقي ولذة نصرة المظلوم؛ تري حياتك في ظل دفيء فتاة الأحلام التي تركتك لسوء خلقك؛ ستري كل فرصة فاتتك علي مدار ثلاثين عامًا بأدق تفاصيلها وتتحسر؛ ستذوق ظلم نفسك لنفسك وتدفع ثمن جنون عظمتك.. ستُحقق ولايتُنا المساواة وسينتهي الظلمُ للأبد.. وستنتصر "الهيفون".
توقفت السيارة في الصحراء أمام مبنيً هائل ذو أسوار شاهقة ودخلتُ مع شبيهي لنبدأ رحلة العذاب؛ ولكنني تعرفتُ علي بعض الحقوق والقواعد داخل السجن؛ حيث أن ساعات نومي خلال الثلاثين عامًا ستبقي كما هي بمعني أنني سأستريح من التحسر والعذاب في فترات نومي؛ كما علمت أنني سأخرج من السجن بعد انتهاء مدة الثلاثين عاما التي أذقت الناسَ فيها نار الظُلم وأخبرني شبيهي بأني سأكون حينها اكتسبت روحه الطيبة ففي نهاية العقوبة نتبادل الأرواح فيموت هو بروح الشر وأكتسب أنا حياتي الجديدة بروح الخير التي أكرهها..
القصة لم تنتهِ بعد؛ لا أخفيكم سرًا عقاب الهيفون قاسٍ للغاية؛ لكن عذاب يوم واحد غير كافٍ ليكسر غروري؛ في مساء يومي الأول وفي فترة نومي في ظلام الزنزانة الدامس فوجئت بشبح يتحرك في الظلام متشحٌ بالسواد؛ فزعت في بداية الأمر؛ ولكنه حين اقترب مني فزعت أكثر وأكثر؛ إنه شبيهي ولكن نسخة مطابقة تماما لي في نفس عمري وقبل أن أسأله من أنت وماذا تُريد اقترب هو من أذني وقال لي " الظلمُ باقٍ ما بقي البشر علي تلك الأرض ولن تستطيع الهيفون أو غيرها تغيير تلك الحقيقة لطالما وُجد أمثالنا ".
أنتم!!!! أنتم من؟!!
بالتأكيد لست أنا المُخلّق الذي اكتسب روحك الشريرة من الصندوق الأخر؛ فأنت اكتسبت روح الشر بالفعل؛ إننا من أتباع المعبد الجديد حيث لا يوجد سوي صندوق واحد نصفه أبيض ونصفه أسود تكتسبه روحك اجباريا ويتبقي لك حرية الاختيار بينهما فكلاهما في داخلك بنفس المقدار؛ سنعطيك فرصة أخري للحياة بالروحين ولكن احذر؛ فعقوبتنا علي الاختيارات الخاطئة لن تكون كالهيفون؛ فبدلًا من شخص واحد يحمل روحا طيبة يقوم بتعذيبك سيقوم بتلك المهمة عدد لا نهائي من المُخلّقين لأنك الأن تملك عددًا لا نهائي من الطرق التي تستطيع أن تسلكها في حياتك.. نصيحتي لك اختر الحق دائما لأنك ستندم.
" فما أصعب أن تكون كل الطرق ممهدة بلا مرشد "
تمت بحمد الله..