في دول عظمى أقل ما يقال عنها أنها قوية في الاسم و في البنية الثقافية و السياسية والعسكرية تسعى دائما لأن تعلب دورا محوريا في المنطقة العالمية دون تحديد لحدود خريطتها الاستعمارية لأن كل ما تغير هو أسلوب المستعمر و ليس مبادئه، و في ذلك تتغير الاستراتيجيات و تتنوع الدراسات للمشاهد السياسية الآنية منها و المستقبلية و هذا بغية الوصول الى أبعد نقطة في ظلام الخصم ليستعمره ، و لا يهم تقدير الخسائر التي تنتج عن أي استهداف ، لأن الأهم هو تحقيق المخطط لأولوياته و لرؤاه البعيدة المدى ، و في ذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لأن تقلل نوعا من دور شرطي العالم في حماية الدول الغنية بالبترول ليس حبا فيها و انما حفاظا على المصالح المسطرة منذ أمد طويل دون أن تخسر مالا كثيرا ، هي نفسها سياسة روسيا في أن تأخذ نصيبها من أي كعكعة دون أن تكشر عن أنيابها ،أما الصين فهي نائمة و الخوف من استيقاظها المفاجئ كبير جدا، أما ألمانيا فتبدو بهيمنة هتلر أقرب من فرض الرأي على استجوابه من الآخرين ، كوريا الجنوبية كسبت رضى المغالطين فيها باظهار الود لها أفضل من فقده...و الأمثلة كثيرة ...
و في نفس الفلك تدور المجموعة الدولية الأخرى الحليفة و الصديقة لتلعب أدوار أقل ما يقال عنها لتبدو غير ضعيفة و لو باجتماعات طارئة ، هي مجرد أسماء للتقارب و التناسب ليس الا ، و على أقوى دولة أن تدير عقارب الساعة بحسب ما يحفظ لها توازنها عالميا سواء على مستوى مجلس الأمن الذي تديره هي بنفسها أو على مستوى منظمات دولية و التي لا تصدر قرارا و لا تدخلا حتى تستأذن من بيت السلطة ، لتبقى الدول العربية تشاهد ما يحدث في الساحة الدولية من صراعات و تجاذبات و مقاربات و قد لا تعرف أحيانا ان ما كانت تصب في مصلحة اشتداد النزاع أم في مصلحة التفاهم تحت الطاولة حول مصيرها وهي لا تدري ، و أكيد التفاهم يكون عليها لامتلاك جزء من خيراتها ان لم يكن كله .
و منه كان فقد الاحترام و الهيبة لها بسبب ضعف الاقتصاد من جهة أو بسبب فشل السياسات المتبعة أو بسبب غياب الرؤى الاستراتيجية و على مدى سنوات ، ما يجعل هذه الدول تدور في نفس الحقلة المفرغة من بعدها عن الإنجاز الحقيقي حتى لا تهتم بالأصل و تكتفي برشاشات ورق خفيفة الظل في لقاءات ديبلوماسية خاطفة ليقال عنها أنها ساهمت و لو بالقليل .
هم تقدموا كثيرا في التكنولوجيا و الثورة البيولوجية و العمل بإيمان عما أقرته دياناتهم السماوية ،فلم يخالفوا بل انصاعوا و احترموا و بايعوا من يرونه الأنسب و الأوفر حظا في المال و الحيل السياسية ، و في نفس الوقت قرؤوا عن ديننا الإسلامي ليفهموا النجاح و شروطه .
نحن مسلمون و نؤمن بدين منصف و عادل و سمح قولا و ليس عملا، لكننا لم نحتكم اليه في قراراتنا المصيرية و في فض خصوماتنا لإصلاح علاقاتنا ، بل ربما لا نفكر في الاحتكام الا اذا أنزلت علينا فاقة سماوية في الجفاف لنهرول سريعا الى حشد الجموع في صلاة للاستسقاء ناسين أن ذلك ما كان ليصيبنا لولا اسرافنا في أمرنا من الانحياز عن جادة الصواب .
هم قننوا قوانين تسمح بشرب الخمر و انتهاك الحرمات باباحية التحضر و التفتح اللامحدود ،لكنهم لا يغيبون في الالتفاف حول طاولة المشاورات حينما يتعلق الأمر بدمارنا فيصدرون لنا أكلا ساما لحوما كانت أو مصبرات و أدوية منتهية الصلاحية أو لباسا للحجاب ليس بمقاييس شرعية ، لأنهم قرؤوا القرآن و فهموه و عرفوا أنه لو ركزنا مع تعاليمه و عملنا بما جاء فيه قلبا و قالبا حتما سيتقدم ركبنا بالتطور على ركبهم ،لكنهم لن يرضوا عنا ان تقدمنا لأن ذلك يؤرق نومهم ويجعلهم يخافون على عالميتهم المشهورة .
هم لا يحسدون بعضهم و لا يقيلون الكفاءات بل يستفيدون من خبراتها و يرقونها لأسمى الدرجات لأنهم يعرفون أنها ركيزة أي بناء حضاري في مجتمعاتهم ،فقلوبهم على قبل رجل واحد ،و في ذلك يفتحون أياديهم ليقبلوا أدمغتنا المهاجرة هربا اليهم من تعسف الظالمين فيسارعوا في الاستفادة من خبراتها ، أما نحن فقد فرقتنا صراعات الأطماع وحب التفوق بلا شروط أو جهد ، و بقينا على سيرتنا الأولى في أن نحسد بدل أن نحب ، و في أن نفرق بدل أن نجمع الشمل .
هم لم يأخذوا منا أفكارنا لأنها بالية ، و نحن أخذنا منهم أفكارهم و مسميات مثل حرية الرأي و الديمقراطية و المساواة بين الجنسين ،فلم نعمل وفق منظور ديننا بل قلدناهم في قشور الأمور و سميناها تحضر،الرهانات كثيرة و لا زلنا في ذيل قائمة التأخر بسبب رضانا على ما نحن فيه ...و هم عرفوا أننا لن نتقدم ما دمنا قلدناهم فيما لا ينفع.
هم طوروا الثورة البيولوجية و التكنولوجية فتقدموا أميالا عنا ، و نحن بقينا نردد نفس الكلام في الفايسبوك و في حوارات الرداءة التي تتحدث عن المال و اللهو و الطيش ، لم نتخلص من هشاشة الرأي و فشل بناء الشخصية القوامة في مشاهد حقيقية تنفض الغبار عنا و بقينا تحتهم سنوات ضوئية طويلة ،لأننا مطمئنون بهذا الوضع ،نحب النوم طويلا فهذا يريح المفسدين في أكل الحرام و استلذاذ الحقوق المسلوبة من أصحابها .
هم يشجعون الفاشل حتى ينجح و نحن نكسر المتفوق حتى يفشل ، هم ينشرون المعلومة و الخبرة بضغطة زر واحدة لتصل للكل حكومة و شعبا و مصيرا، و نحن ننشر الفتنة و الشقاق لنهدم ما تبنيه معاول المصلحين ، هم لا يخونون المواثيق فيما بينهم و نحن نخدع في المساء ما نمضيه من عهود في الصباح ، هم باختصار أمم تعلمت من أخطائها و تثقفت ففهمت مسار الحياة أنه ليس عبثي و ليس للأكل و النوم فقط ، و نحن قبلنا التخلف و لم نعلنها حضارة تغيير نحو الأفضل لأن الأمور وليت لغير أصحابها فاستشرى الرويضبة بالفساد في مناصب القرار لاصدار التردي انتقاما من الجمال ، لأنهم يكرهون الأضواء التي تكشفهم و يكرهون الابداع الذي يفضح نواياعهم ، و هم للأسف نهلوا من قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم و عرفوا مقاصد النجاح فاتبعوها و لم يحيدوا عن الطريق ،هم أعطوا للتعليم و الصحة تركيزا كبيرا بالمال و البرامج فقضوا على معضلات المشاكل و نحن بقينا نغير الأسماء و نصفق لذوي القامات القصيرة التي لم تقتنع يوما أنها لا تصلح لفائدة المجتمع و لا للقرار الصائب لكن وجب التصفيق ليقال أنها مشاركة مباركة في الميدان ، فتجده مديرا في مستشفى يموت بسبب تهاونه مرضى معوزون ، و تجده فلاحا يضيف موادا كيميائية ليكثر زرعه و يستبق المطر و الطبيعة في النضج فيهلك المستهلك و المشتري ، هم تفانوا في العمل فسهروا و تعبوا و غربلوا أفكارهم و بذلك اتضحت سياستهم الناجحة و نحن بقينا نشتم فلان و نجرح علان و نعرقل بن فلان فتردت سياستنا الفاشلة و بانت حقيقتنا أننا لا نحب بعضنا البعض و نكره من يسبقنا في العمل الصارم و من يخلص في بناء الوطن ، هم جعلوا من القضية الفلسلطينية بؤرة توتر عالمية حتى لا نصلي في أقصاها ، أما نحن فنقول فداك يا فلسطين بالفم و لا أحد تجرأ على تحريرها ، هم يديرون الاقتصاد بميلة واحدة للبورصة فيميل العالم كله حتى يخضع للأمر المتسلط ، و لا تعود البوصلة لمكانها حتى يتحقق الطلب المراد منه استعمار سرطاني بأساليبه الخبيثة .
فهل من مداو لأمراضنا المزمنة في فهم السياسة و دورها في نجاح الأمم ؟.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
انت قلت مزمنة ..وانا اقول معضلة دكتورة ..لكن الامل بالله لا ينقطع