( ثنائية القدر ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

( ثنائية القدر )

  نشر في 21 فبراير 2015 .

          

لعلّ من أكثر الأسئلة شيوعاً ،و التّي أسال الجواب عليها بحراً من المداد ، سواء عند المتقدّمين أو المتأخرّين ،

وسواء عند الفلاسفة المحافظين أو الملحدين ، هو ذلك السؤال التقليدي حول ثنائيّة القدر المتعلّق ب :

هل الإنسان مخيّر أم مسيّر ؟

إلاّ أن الحقيقة العجيبة .. الغريبة .. هو أنّ الإنسان مخيّرٌ فيما هو مسيّر ... والعكس صحيح نجده مسيّراً

فيما هو مخيّر .. وهذا ما أسميه مجازاً بثنائيّة القدر .

فبالرجوع إلى المعادلة الأولى ، أي : الإنسان هو مخيّر فيما هو مسيّر ، نجد أنّ المحرّك الواعي أو العقل

البشري ، يلعب دواً حاسماً ومصيريّاً في الفعل والتفاعل الإراديين ، بل ويبقى هو صاحب الشّأن في الإدلاء

والإملاء كيفما يريد وكيفما يشاء سلْباً أو إيجاباً ، إلاّ أنّ هذه الإرادة المطلقة تبقى رهينة ًأو لنقول

لا تتفاعل صراحة ً إلاّ في حدود سياجٍ محْكم التبّويب و متْقن التصويب سلفاً ،حيث لا سلطان لتلك الإرادة

في الاختيار منْ تجاوز أسرارها ونواميسها أو تخَطّي أحكامها وسننها ، فمثلاً إذا ألمَّ بالإنسان الجوع

وهو حتميّة بيولوجيّة ، فله كامل الحريّة وله مطلق الإرادة من حيث هو مخيّر في مواجهة هذه الحتميّة

سواء بالبحث عن الطّعام أو ما شاكله وهذا مَسْلك طبيعي للإنسان المخيّر في مواجهة ما هو مجْبرٌ على

تفاديه من ألم أو مغص، وهناك مثلاً من يتخذ من الجوع خياراً له من أجل استشعار الآخرين حول

مطلبٍ معيّن ، كالدخول في إضراب اختياري عن الطّعام ، سواء كان إضراباً متقطّعا أو مفتوحاً ، فإنّ

هذه الإرادة لا بدّ وأن ْ تستجيب لحتميّة النداء البيولوجي لتفادي أيّ مكروهٍ في حدّه الأدنى ، أو الدّخول

في غيبوبة كارثيّة في الحدّ الأقصى .

إذا وقياسا على ما سبق ، سنجد أنّ هناك العديد من الحتميّات قد يتجاوب معها الإنسان بشتّى أنواع

من الاختيارات ولكنّه مجبرٌ في الأخير على الرّضوخ والاستجابة .

أمّا فيما يخصّ الإنسان هو مسيّر فيما هو مخيّر ، فهذه أعتبرها أمّ وسيّدة المعادلات على الإطلاق ، وهي

الحالة أو الحالات التي يكون فيها المحرّك الواعي أو العقل البشرّي قد استسلم قطعيّاً ويقينيّاً ، لإرادة ما ،

حيث هناك حتميّة سيكولوجيّة ولا بدّ لأيّ إنسان أن يستجيب معها اختياراً ، سواء باليقين قبولاً أو باليقين

رفضاً ، فمثلاً نجد من بين هذه الحتميّات تلك المسَلّمات أو البديهيّات التي تُجبرنا على حتميّة الاختيار قبولاً

أو رفضاً ، كمسألة وجود الله ، حيث أنّ الإيمان بذاته العليّة تستتْبع حتميّة التسليم بوجوده ، بل وحتّى عدم

التسليم بوجوده يبقى اختيارا حتميّاً في التسليم ببديلٍ آخر ، كعابد الصّنم أو غيره ، بل وحتّى للملحد المطلق

نجده يستسلم لإله الهوى كحتميّة سيكولوجيّة هو مسيّر في اختيارها كبديل مصداقاً لقول الحقّ سبحانه :

( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ، أفأنت تكون عليه وكيلا ) .

                                                                                      بقلم : الكاتب و الشاعر تاجموعتي نورالدين .



  • تاج .. نورالدين .
    محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...
   نشر في 21 فبراير 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا