ليس هناك ما هو اثقل من الجبال على عاتق الإنسان من الحرية الفكرية ، لأنه بذلك يكون مسؤولاً عن افكاره واختياراته وتبعات قراراته .
ولقد أشفقت السماوات والأرض والجبال من حمل أعباء الأمانة ، ثم حملها الإنسان الذي اكرمه ربه بالعقل دون سائر المخلوقات .
فإذا ما كان الإنسان محجوباً عن رؤية نهاية المطاف ، وصُرف بصارف يمنعه عن غاية وجوده فإنه بذلك يكون عبداً للحظة الآنية يتخبط فيها خبط عشواء على غير هدى .
أن الحرية من المفاهيم الغامضة التي يتوهم كثير من الناس أنهم يحيطونها فهماً وإدراكًا ولكنهم لم يسبروا اغوارها ، ولم يجرّبوا حقيقتها في معناها العميق .
ولذلك كان التنويه عليها من الضرورة بمكان لأنها غاية اصيلة من اجلها خلق الله الإنسان وجعله مكلفاً بما استودعه ربه فيه من قدرات كامنة ، وإمكانات تتناسب مع ظروفه ومشروطيّته وقابليته التكوينية .
فإذا ما نظرنا إلى واقعنا اليوم المنفتح على ارجاء الأرض واقطارها وما تشهده العوالم الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعية ، وما يحفل به القرن الواحد والعشرين من ثورة العالم الرقمي قد جعل من اكتساب الحرية الفكرية امراً يكاد يعتذر على من افرغ لأجله وفي سبيله نفيس وقته وطاقته ، فضلاً عن أولئك الذين انغمسوا فيه لا يلوون على شيء.
ومما تستسيغه العقول الحصيفة إدراكها بأهمية الحرية الفكرية إذ يقوم عليها كل شيء وبدونها ليس للإنسان قيمة حقيقية في هذا الوجود المنوط به قلم التكليف من قبل الخالق العظيم .
فإن ربنا سبحانه وتعالى غرس في أعماقنا ما يستوجب وجود الحرية كإحساسنا بالشغف ، والنّشوة في الإنجاز ، والرغبة إلى الطموح ، وتباين الروى ، واختلاف الأذواق ، وتفاوت المواهب وغيرها مما يحتّم علينا الوقوف على حقيقة الحرية التي بدورها تعتبر جسر العبور إلى غاياتنا في خضم هذه الحياة .
فكل الأصوات فارغة من الحياة إلا صوت القلوب النابضة بحقيقتها الأزلية لأن بذرة الحرية تتجذر أصالة في تربة الروح الخالدة حتى إذا ما ترعرعت وازدهرت وانتشرت أغصانها في مساحات العقل ، واورقت خضرائها منادح للنظر كان لزاماً عليها أن تلقي بظلالها على سلوك الفرد حتى تهبه طابع فريد من نوعه لا يليق إلا به ، ولا يكتمل إلا بحضوره المميز .
"ألَيْسَ مِنَ الْجَمَالِ أَنْ نَكُونَ أحْيَاء . . فَقَط أَحْيَاء" ماهر باكير
ما اجملها من عبارة حاذقة لمن يدرك معناها العميق ويقرأها بعيون قلبه لا بعيون رأسه .
-
المسافريتألم الإنسان بالوهم اكثر مما يتألم بالحقيقة .
التعليقات
وبما أن الحرية الفكرية منبعها القلب والعقل تبقى من أهم مطالب الإنسان الواعي لتحقيق ما خلق لأجله وهو عبادة الله وعمارة الأرض .
الْإِسْلَام مَاضٍ فِيَِ عِزِّه
شَاءَ مَنْْ شَاءَ وَأَبَى مَنْْ أَبَى
لَا ضَيْرَ إنْ خَطْبٌ مَرَّ بِنَا
وَأَذْهَبَ الْأَخَ وَأَذْهَبَ الْأبَا
يَوْمٌٌٌ آتٍ لِنُصْرَةِ الدِّينِ وَلَا
للْكُفَّارِ مِنَ اُلْمَقَادِرِ مَهْرَبَا
الضَّلَالُ أَحَاطَ بِنَا وَيَوْمَاً
سَيَغْزُونَا الْهَدْيُ كَمَا غَزَا سَبَا
وَالرِّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ دَوْمَاً وَالْعِزُّ
عَنْ مِلَّةِ الْكُفْرِ يَوْمَاً سَيَذْهَبَا
لَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حلقَاتُهَا فُرِجَتْ
وَتذْهَبُ عَنَّا الصِّعَابُ وَالْأَصْعَبَا
الْقُرْآنُ مَذْهَبُنَا وَلَيْسَ غَيْرَ
الْقُرْآنِ لَنَا حَكَمٌ وَلَا مَذْهَبَا
الْمَوْلَى قَالَهَا في كتابه وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللَّهُ فَلْنَكُن أَكْثَرَ تَأَدُّبَا
مَنَّ عَلَيْنَا بِنُورِ الْمُصْطَفَى فَكَان
لَنَا قَمَرَاً وَكَانَ لَنَا كَوْكَبا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَا
يَزِدْكُم اللَّهُ مِنْهُ حُبًّاً و تَقَرُّبًا
وَالْحُورُ الْعَيْن وَدَارَ النَّعِيمِ
تُنَادِيكُمْ وَتَزِيد بِكُم تَرَحُّبَا
فَاسْتَعِينُوا بِالرَّحْمَنِ عَلَى كُلِّ
نَازِلَةٍ ، فَازَ مَنْ اسْتَعَانَ بِهِ وَاجْتَبَى
مَاهِرٌ بَاكِيرٌ