قال لي أحدهم يوماً: قلبُكِ يفيض بحبٍ عظيم، لكن لا تجعليه سبيلا، يَعبثُ ويَقدّسُ به من أراد.
المثير للضحك هنا، أنه - أي صاحب هذا النصح - عبث به، حين خبئ عني زواجه!
لا يهم، فقلبي ما زال - رغم إعجابي به وقتذاك - مُقفَل بكل مفاتيح العُشّاق الذين يلقون بها يوميا من على جسر السين.
قلبي لا يعرف الحب، أعلى مستوى لديه هو الإعجاب - وحتى هذا الإعجاب، مثل الظواهر الكونية لا يحدث إلا على فترات زمينة متباعدة - لهذا أنا لم أكره الذين أحبّوني ومن ثم لمّحوا لي بالزواج ولم يتقدموا لي، وإن كنت أحببت حب بعضهم لي، كان حبهم لطيفاً وعميقاً في الوقت نفسه، لا يلقون بأنفسهم على عتباتي، ولا يلّحون بشيء، كان حبهم نبيلاً، والحب النبيل نادر ما يثمر عن شيء!
ربما ستضحكون عليّ، وربما لا، لكم مطلق الحرية.
ولكن، ماذا عن حبي لأصدقائي؟ هنا، أنا أعوّض عصيان قلبي اتجاه الجنس الآخر، فلما أحب، أحب بصدق، لا أعرف المجاملة، ولا المصلحة، ولا السطحية، لكن، تمر السنوات وموقف وراء آخر ثم مِحنة فَشِدة، ويتضح أنني منحت حب كبير، لا يستحقه هؤلاء، لأنهم، وبكل بساطة، لا يعرفون شيئاً عن الحب، إلا حبهم للجنس الآخر، وربما هم لا يعرفون ما هو الحب أصلا؛ حبهم مزيف، لا اسم له ولا معنى، مجرد تماه لمجريات الواقع الذى يجمعنا والذي يحتّم علينا ذلك، لا أكثر ولا أقل؛ وأحياناً كنت أقرأ فيهم عند لحظات العتاب القليلة.. مالك تأخذين الصداقة على محمل الجد هكذا؟!
قلبي هو المخطئ الأول، لأنه أصرّ على عطاؤه - رغم مواقفهم السخيفة والمهمشة اتجاهه، ورغم حتى الشدائد التي مر بها - لأشباه أصدقاء؛ أنا، حقا آسفة عليه.
زميلاتي كن يحسدنني قديمًا على شخصيتي الاجتماعية، تقول لي زميلتي بانبهار شديد: مديرنا يلقي عليكِ تحية الصباح، في حين، نحن بالنسبة له غير مرئيات!
ثم تأتي أخرى وتسأل: كيف تصادقين المدرّسين؟ بكل غرور العالم سوف أجيب - ولا أحسبني مغرورة بتاتاً - أنا لا أجذب سوى الانتقائيين.
أتذكر زميلة كانت تحسب نفسها طاووسا، وصّتني بأن لا أصادق أي فتاة أراها أمامي! مثل هذه الغبية أحببت العاديين أكثر، فصرت أتصرف مثلهم، لكن في كل مرة، مدرسييني، لا يتركونني لشأني، وسرعان ما يمنحوني شيئا ليميّزني عن البقية.
وبعد سنوات طويلة، وبعد تخرّجي، يشاء أن يتكرر معي نفس الأمر بحذافيره، فأشارك في دورة تدريبية، وقبيل دخولي عاهدت نفسي بأن أكون غير مرئية، هكذا كان مزاجي وقتها، لكن، كلا، كيف لولاء بأن تجلس في الخلف؟!!
عرّفنا عن أنفسنا كما طلب منا المدرب، ولم تمر ربع ساعة حتى قال لي، تعالي اجلسي في المقدمة! ألانه رجل، وقد أُعجب بي؟ ستقولون هذا.
ثمة مدربة، كانت قريبة من أعمارنا، فعلت معي نفس الأمر، بل وفي آخر محاضرة، ضربت بي المثل وقالت: مثلاً، ثمة مدراء يكتفون بالشخص الكاريزما مثل ولاء ولا يهمهم براعة السيرة الذاتية!
اللعنة، أود أن أقول لهم، مديري، زميلاتي العاديات ومدرسييني، ومدربيني، لكل هؤلاء، ولاء لم تفعل شيئا في حياتها حتى الآن، حتى في حبها الذي منحته بكل صدق وإخلاص، لم تكسب منه شيئا.
ولكني، قررت أخيرا، أن أتخلي عن سذاجتي وغبائي المفرطين بدعوة (كله بيعمل بأصله) حقا، لقد سئمت دور المبادِرة في كل مرة. سأنحيّ ولاء المحترمة التي تكتفي بالصمت في وجه الذين يلقون بسخافتهم ونقصهم في وجهها كي يثيرون استفزازها.
أنا لم أبحث يوماً عن الاهتمام ولا عن الحب ولا عن أي زهو ما، في الواقع، أنتم من تبحثون عن كل هذا من خلالي.
اخيرا، سوف يتسنى لي، أن أكون انتقائية ومغرورة لعينة، هكذا سيعرف المرء كيف يخط في حياته، واللعنة على الحياة العادية والعاديين وأشباه الأصدقاء.
ولاء عطا الله
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.