أكباد في عمر الزهور يُسندون ظهورهم إلى حائط المسكن، أو يتوسدون مدخل العمارة. وجوههم مكتنزة، وبطونهم بدت عليها بوادر ارتخاء وسمنة مقيتة. لا تسمع لهم همسا من فرط انكبابهم على عوالم سحرية يفتحها الآيفون بضغطة زر.
حِلق تتجمع هنا وهناك فيتوهم المار أنهم يمضون وقتا بريئا في لعبة شعبية، أو يتجاذبون أطراف الحديث حول وقائع الساحة المدرسية وشغب الفصول، لكن ما إن يلقي نظرة حتى يتفطر قلبه أسى على الغيبوبة المبكرة التي تُرسخها ألعاب ظاهرها المتعة وباطنها الإفلاس القيمي والتدريب على الوحشية و العنف.
سَرت في عالم الطفولة ألعاب إلكترونية تهدد براءة الطفل وفضوله المحمود لاكتشاف العالم. ألعاب تحفز على الهدم وإراقة الدماء، و التصفية الافتراضية لأعداء وهميين سرعان ما يجري تمثلهم في الواقع. فيكتسب الطفل سلوك العنف ضد النفس و الآخرين، ويصبح النزاع المفتعل سلوكا يوميا يؤثر على علاقته بمن حوله.
في منتصف عام 2018 قررت منظمة الصحة العالمية إضافة اضطراب الألعاب الإلكترونية إلى قائمة التصنيف الدولي للأمراض. وتم تعريفه بأنه الاضطراب الناجم عن سلوك الألعاب الرقمية التي يصعب خلالها التحكم في الوقت. أما تأثيرها السلبي على الدماغ فيحدث نتيجة إفراز المتزايد لمادة الدوبامين التي تغذي الشعور بالسعادة والنشوة المتكررة، مما ينعكس على صحة الطفل النفسية، حيث يميل إلى العزلة وخفض أدائه الدراسي، ويتجرد من الإحساس بالتعاطف والإيجابية إزاء الآخرين.
يجري تصميم الألعاب الإلكترونية على شاكلة صندوق "سكينر". وهذا الأخير أخصائي في علم النفس طوّر نظريته الخاصة حول التكيف الفعال من خلال تجربة الجرذ داخل الصندوق. وملخص التجربة ببساطة أنه تم وضع جرذ داخل صندوق، وبالتدريج بدأ يتكيف مع بيئته الجديدة، ثم اكتشف رافعة يضغط عليها فتقدم له الطعام، وهكذا صار الجرذ يسرع إلى الضغط على الرافعة كلما وُضع في صندوق جديد!
نفس فكرة الصندوق تتبناها الألعاب الإلكترونية بشكل ينطوي على خداع للعقل البشري، فتبدأ اللعبة بشكل بسيط ثم تتدرج من حيث الصعوبة، ويُمنح اللاعب ميزات و"أسلحة" متنوعة تزيد من فعالية اللعبة، وتضاعف شعور التحدي و الرهان وكسب النقاط. وبموازاة مع ذلك ينغمس الطفل في بيئة تبث سمومها القيمية و التربوية والاجتماعية، وتحرض على هز كل الثوابت التي تشكل هوية المجتمع وثقافته.
بعض الألعاب التي أدمنها صغارنا بلغت حدا من الوحشية التي لم تخطر على بال سكينر وجرذانه، ولن نُبالغ إذا قلنا أن أنسب تشبيه لتلك الأجهزة اللعينة هو صندوق "باندورا" الذي انطلقت منه كل شرور البشرية، كما تحكي ميثولوجيا الإغريق !
-
حميد بن خيبشكاتب شغوف