زينة الرياح(2) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

زينة الرياح(2)

لن ينجح بجعل الإهمال سيد الموقف لأن جميع محاولاته كانت تؤذيه، كما لم ينجوا من تلوث الوعي لديه لأن القدر عاكس كل أمانيه وأصبح تاريخه مزدحم بالذكرى.

  نشر في 11 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

بعد مرور شهر من ليلة رأس السنة التقت "أريس" بآلبرت في الطريق، وضع "آلبرت" يديها في جيب معطفه لكي يدفئها.

حدقت "أريس" إليه ولكن هذه المرة كانت نظراتها فارغة نوعاً ما، قدمت إليه رسالة تلقتها من أمها وكان محتواها ( عزيزتي "أريس" أني مريضة وفي حالة صحية حرجة أريدك أن تأتي إلى "ألمانيا" في أسرع وقت ممكن).

قال لها "آلبرت": متى تعودي يا زينة الرياح، كان يُلقبها بزينة الرياح لأنه يرى "أريس" هي الزينة الجميلة التي تزين عواصف قلبه.

قالت له: لا أعلم عندما تتحسن أمي.

كلمات "أريس" لم تقنع العقل الباطن لدى "آلبرت" وذلك لعدة أسباب وأهمها أن الخط الموجود بالرسالة يشبه خط "أريس" بشكل كبير، ولكن سمح لنفسه أن يتقبل أي عراقيل كانت بالية وذلك لكي لا يدع شيء يدنس الفراق بينهما، كما شعر في هذه اللحظة بمأساة جذابة نحوها.

بعد عدة أيام صادف "آلبرت" عمة "أريس" في المخبز وسألها عن حال "أريس" فهي لم ترد على رسالته وقد قلق عليها أو ربما قلق منها، أجابته عمتها في غضب: "أريس" تستعد لحفل زواجها الآن وليس لديها وقت لترد على رسائلك، لا تزعجها ، ولا تزعجني أنا أيضاً.

أصبح "آلبرت" كالبركان بعد سماعه هذا الخبر المشؤوم، تحمل فوق طاقته بكثير، لن ينجح بجعل الإهمال سيد الموقف لأن جميع محاولاته كانت تؤذيه، كما لم ينجو من تلوث الوعي لديه لأن القدر عاكس كل أمانيه وأصبح تاريخه مزدحم بالذكرى.

بعد مرور عامين...

أصبحت أم "آلبرت" طريحة الفراش تُحتضر بسبب مرض الكوليرا.

صباح يوم الأحد جلس "آلبرت" بجانب أمه يعتني بها وإذ هي تبكي فقال لها: لا تحزني أرجوكِ نحن في القرن العشرون ومن المؤكد سيجدون دواء لهذا المرض.

نظرت إليه أمه بإشفاق وقالت له بصوت مرتجف: عزيزي "آلبرت" سأخبرك بشيء أخفيته عنك طيلة عامين وأريدك أن تسامحني أرجوك، قال لها: بل أرجوكِ أنتِ يا أمي لا تجهدي نفسك بالحديث ستتحدثين معي متى تشائين عندما تتعافين، قالت له: أسمعني يا "آلبرت" فقد أخفيتُ عنك رسائل "أريس" حيثٌ كانت تبعث لك الرسائل لمدة أشهر منذ أن سافرت وكنت استلمها واتخلص منها لكي لا تراها.

صُدِم "آلبرت" وقال لها لماذا!! لماذا يا أمي أخفيتها وجعلتني أعيش تحت عبء ثقيل، أهيم في الوجود وحدي، ولم استطع ان أبعد الألم والحزن الذي تفتك بي، ثم احتوى أمه احتواء راقي وقال لها: لا بأس يا أمي مهما كانت محتوى الرسائل لا يهم لأن "أريس" سافرت لتتزوج فقد كذبت علي بشأن مرض أمها من المؤكد أن رسائلها كانت سيل جارف من الكذب.

عادت "أريس" إلى "باريس" بعد خمس أعوام من سفرها إلى "ألمانيا".

.

عادت في أيام الكريسماس الجميلة لتقضي العيد مع عمتها، فهي لا تريد أن تتركها وحيدة هذا العيد بعد أن أصبحت أرملة.

في المساء نفذ السكر من البيت، ذهبت "أريس" إلى المتجر لكي تجلبه في ساعة متأخرة من الليل وإذ بها تلتقي بآلبرت هناك.

نظر إليها "آلبرت" وقال في ذاته قصيتي شعرك الجميل ولكنك ما تزالين جميلة، اقتربت "أريس" لتسلم عليه، مد يده وسلم عليها وقال لها ما تزال يداكِ تبرد! ولم يوجه لها أي ابتسامة.

خرج "آلبرت" من المتجر، أخذت "أريس" السكر وخرجت من المتجر خلفه ثم قالت له بصوت مرتفع ممتزج ببكاء خانق: رسالة واحدة فقط.. رسالة واحدة!، اقتربت منه وصفعته بقوة ثم قالت له: سبعون رسالة أرسلتُ إليك ولم أتلقى أي إجابة، أتعلم ما حل بي بسببك، ألم تقل لي أنك لن تتخلى عن الشغف المرهون بيننا، فقد أصبحت أتفقد سذاجتي كل يوم وأوقظت بعض الهمسات المهملة لكي لا يفوتني أي تفصيل وذلك لكي أملك القدرة على استيعاب ما يحدث.

أمسك "آلبرت" معطفها بقوة .. ثم قال: ماذا هل تظنين أني أملك أخلاق القديسين، بعثت لك رسالة واحدة فقط نعم وتوقفت لأن عمتك أخبرتني أنك تزوجتِ... ماذا هل أبعث رسائل لأقدم تهنئه إليك مثلاً.... على كل حال لم أتلقى رسائلك يا "أريس"، أمي كانت تتخلص منها دون أن أعلم، ولكن هذا لا يهم لأنك أكذب من أي شيء بالعالم، ولم تكن أمك مريضة ذهبتِ لتتزوجي.

صُدمت "أريس" وصفعته مرة أخرى وقالت له: بل كانت أمي مريضة وفقدتها بعد عام من سفري إليها وبقيتُ في "ألمانيا" لكي ... وضع "آلبرت" يده على فمها وقال لها: اصمتي لا أريد أن أسمع اعذارك الفارغة ولا كلماتك المزعجة، غيابك قد قتلني بهدوء وببطء شديد، والآن نسيتك تماما.

رحل "آلبرت" مسرعاً، وعادت "أريس" إلى بيت عمتها، كانت عمتها في هذه الأثناء تُحيك لها الصوف ، أخذت "أريس" الصوف وبعثرته على الأرض وبدأت تعاتب عمتها قائلة: لماذا كذبتي على "آلبرت" لماذا.. قالت لها عمتها أرجوكِ أهدئي وكفي عن البكاء لكي أفهم ما تقولين، حسناً سأخبرك يا عزيزتي هذا كان طلب أم "آلبرت" مني... أعتذر منك يا ابنتي، ردت عليها "أريس" غاضبة: أجل ماذا سأفعل باعتذارك هذا ماذا.

في الصباح الباكر من اليوم التالي ذهبت عمة "أريس" إلى "آلبرت" واعترفت له أنها كذبت عليه وقالت له أن "أريس" بقيت في "ألمانيا" لأن أمها أورثتها المرض واحتاجت "أريس" إلى ثلاثة سنوات لتتعافى من المرض كلياً لهذا كانت تقص شعرها باستمرار.

بعد معرفة "آلبرت" الحقيقة شعر بخليط من الحزن والفرح، فقلبه كان مليء بالعتب على هذه الدنيا القاسية، ولكن الآن شعر بالسلام، وكيف لا والأمل هو بداية السلام.

ذهب في اليوم الثاني إلى منزل "أريس" وقد انتظرها على الباب إلى أن خرجت من المنزل ثم أمسك يداها بقوة ووضعها في معطفه لكي يدفئها، وقال لها: أنتِ زينة الرياح وزينة قلبي، لن أسمح بأن تخرج يداك من هذا المعطف مرة أخرى، وألبسها خاتم الخطوبة ولكن هذه المرة بطريقة غير تقليدية.  


  • 1

   نشر في 11 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا