هل يوجد ما يسمى بـ "نظام حكم إسلامى"؟
أعتقد أن هذا التساؤل يمثل محور الخلاف الفاصل فى العالم الإسلامى كله بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، كما أنه يمثل لكل فريق منهما الباعث الأول لنشأته وحجر الزاوية لاستمرار وجوده. كما يعد الخلاف على إجابته وعدم التوصل إلى رأى قاطع بخصوصه السبب الرئيسى لحالة التشتت والحيرة والجمود التى تحياها الأمة كلها منذ عقود.
فغير الإسلاميين على اختلاف أيديولوجياتهم سواءً كانوا علمانيين أو ليبراليين أو يساريين أو حتى عسكريين لا يكاد يجمعهم شيئ إلا الإجابة بالنفى على هذا السؤال.
وفى المقابل فإن الإسلاميين على اختلاف تياراتهم بدءاً من الجماعات العنيفة التى تتبنى القوة كخيار وحيد للتعايش مرورا بالوسطيين الذين يحاولون الدمج بين القوة والرأى (فى خليط لم يتجسد بعد ولم تظهر له ملامح ولا مردود حتى الآن) انتهاءا بالتيارات المستأنسة التى تم تدجينها بالكامل فى حظائر الأنظمة القائمة، كل هؤلاء لا يكاد يجمعهم شيئ إلا الإجابة بالإثبات على هذا السؤال.
وبالرغم من أن الواقع والتاريخ المعاصر يكادان يصبان فى صالح غير الإسلاميين صبا، إلا أن الإسلاميين يستمدون الثبات على رأيهم من رافدين قويين يمنعانهما من التراجع ويحفزانهما على المضى قدما.
الرافد الأول: هو القرآن بكل ما ذكر فيه من آيات التشريع والأحكام والتحكيم صراحة أو ضمنا.
الرافد الثانى: هو التاريخ الإسلامى (تاريخ الخلافة) الممتد لأكثر من 1000 عام متصلة.
فإذا كان القرآن يأمر ويوجه والتاريخ يشهد بإمكانية التطبيق وعظمته، فلا مجال للتراجع إذا ولا سبب يدعو لإعادة النظر.
ولهذا فإن أى محاولة لتقييم رأى الإسلاميين وتفنيده فى هذه القضية المحورية يجب عليها أن تنطلق من هذين الرافدين (القرآن والتاريخ)، ولهذا أيضا فسيكون لنا مع هذين الرافدين وقفة.
تعريف نظام الحكم
قبل الانغماس فى هذه الدراسة ينبغى أولا الاتفاق على تعريف محدد لنظام الحكم. وبالبحث السريع نجد أن كل فريق (إسلاميين وغير إسلاميين) له تعريفاته الخاصة بنظام الحكم والتى تستخدم مفرداته ولغته وتتماشى مع ثقافته وتخاطب وجدانه، ونستطيع أن نلخص لكل فريق تعريفاته فى تعريف مبسط.
فبالنسبة للإسلاميين نظام الحكم هو «»الأحكام المنظِّمة للسُّلطة السياسيَّة، وتدبير أهل الإسلام بما يُصلِح أحوالهم، ويَدرَأ عنهم الفساد«».
أما بالنسبة لغير الإسلاميين فإن نظام الحكم هو «»مجموعة من المؤسسات السياسية التي تكوِّن الحكومة وتنظم عملها «».
ونلاحظ أن هناك قصور واضح فى كل تعريف على حدة. فتعريف الإسلاميين ركز على مجموعة الأحكام والتشريعات التى تنظم عمل السلطة السياسية (الحكومة) دون أن يتطرق لتلك السلطة، فى حين أن تعريف غير الإسلاميين انصب كله على تلك السلطة متجاهلا الاحكام والتشريعات التى تدير بها تلك السلطة شئون البلاد والعباد، ولا يتخيل عاقل أن نظام حكم ما يمكن توصيفه دون هذين البندين معا.
ولهذا نستطيع القول أن نظام الحكم هو:
«»الحكومة وما تتبعه من تشريعات لتدبير حال البلاد والعباد«».
عناصر الحكومة
فى الثقافة الإسلامية لا يُستخدم لفظ الحكومة بكثرة، وإنما يُستخدم لفظ الحاكم بديلا له ودالا عليه، وقد يعزو ذلك إلى أن الفترة التاريخية التى وجد فيها الحكم الإسلامى (الخلافة والممالك) لم تعرف الحكومة بشكلها الحديث، والتاريخ الإسلامى نفسه لم يقم باستحداثها ولكن تعامل مع مفردات عصره التى كانت لا تعرف إلا حكم الفرد (قيصر، كسرى، ملك، …).
وحتى نظام الخلافة، وهو النظام الذى استحدثته الدولة الإسلامية كاملا، قام منذ نشأته على الحكم الفردى (الخليفة) بشكل صريح، حتى وإن تخلله وجود شكل من أشكال الشورى تعاون الخليفة على أداء مهامه.
ولتقييم الحاكم (الحكومة) فى الإسلام (القرآن والتاريخ) فى هذا المقال سنتطرق لثلاثة نقاط أساسية ونقيس تلك النقاط على الإسلام نفسه، سواء نواهيه أو مقاصده وغاياته، للوقوف على حقيقة الحكومة فى الإسلام.
والنقاط الثلاثة هى: تولية وعزل الحاكم، مسائلة الحاكم، علاقة الحاكم بالمعارضة.
وعلى هذا، فعند النظر فى رافدى الإسلاميين فى مسألة نظام الحكم، القرآن والتاريخ الإسلامى، سنركز على هذين العنصرين، الحكومة (تولية وعزل الحاكم، مسائلة الحاكم، علاقة الحاكم بالمعارضة) والتشريع. ولأسباب تنظيمية بحتة (قد تبين فى آخر الدراسة) سنبدأ مع الرافد الثانى (التاريخ الإسلامى) أولا ثم نعود للرافد الأول (القرآن).
تم نشر هذا المقال على موقع ساسة بوست