البلاد العربية آخذة بالانهيار ومواطنها آخذ بالاحتضار - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

البلاد العربية آخذة بالانهيار ومواطنها آخذ بالاحتضار

ترديات وانهيارات

  نشر في 24 مارس 2017 .

البلاد العربية آخذة بالانهيار ومواطنها آخذ بالاحتضار..

هيام فؤاد ضمرة

الشعوب العربية مجرد فئة بشرية منكوبة، تعيش على بقعة جغرافية إما ملتهبة المآل أو ملتوية الحال، منهم من هو يعيش في حالة الاقتلاع، ومنهم من هو يعيش في حالة الانقلاب، أو في حالة الاحتلاب، أو في حالة الاستلاب، وجميعهم يتمرغون على أرضية رخوة تؤدي بهم في نهاية المطاف غير البعيد إلى انقراض العروبة، فيما الطبيعة تجرههم بلا هوادة نحو شفا منحدر كظيم يؤدي إلى حالة الجفاف ونقص المياة التي تلوح بالجو فيما مصادرهم تمد لهم لسانها هازئة.

البلاد العربية بمواردها النفطية، ونفوذها الاستبدادي، وميزانياتها المتردية، واقتصادها المتعثر، وديمغرافيتها المتنامية في ظل تقشفها القسري ونحولها العصري، ومهاجمة أمراض العصر ومطامع المركز المنتصر، جميعها تنذر بالانسحاق الذليل البديد

فيما الحكومات تواجه مطالب متعظمة أمام تفشي العجز والقصور، وتزايد القمع وتكميم الأفواه بالخلع، أمام قمع اقتصادي على نطاق غير مسبوق، بسبب طوفان الفساد وتضخم الميزانيات وتزايد الضغوط على الشعوب، وتزايد نسبة البطالة مقابل آلاف الشباب المتدفق على سوق عمل جففته خطط الفاشلين ومواهب الفاسدين..

وأمام أرض محروقة عاث بها المخربون ولعبوا على دمارها وإهالة كل ما هو قائم فيها .. وكل هذه مجرد علامات ومؤشرات لحالة خوف يمكنها أن تخرج الصامتين عن صمتهم وتحرك المتصلبين عن مواقعهم

ثمة أزمة متقاوية بين الحكومات والشعوب، بين جموع الطبقة الغنية التي لم يضبط في محاسبتها ضمير وبين جموع طبقة فقيرة نسيها الفاسدون في أدراج سحيقة ليس من يد تجرؤ على اللمس الضغين، إنما الجميع يتفق على الصمت وإسكات الأفواه والأصوات خوفا وتخوفا من فوضى ليس أسهل على أصابع التخريب الاندساس في جسمها، وإحداث الفتق المؤدي إلى الجنون وإلى تعميم الخراب المكين

عالم جنوني يجرنا بطريقة ممنهجة نحو الدمار، نحو التفكك والانهيار، ونحن بطرائقنا البطيئة ندور داخل دوائرنا الصغيرة نبحث غن مجرد متنفس لاستكمال ضروب الحياة، وبات الاحساس فينا يؤكد معنى بلاد العرب خذلاني.. فنحن شعوب نتقن صنع الخذلان بأوفى الاشكال، أوقفنا العقول عن العمل، منعنا ألسنة التعبير وحددنا الحريات، ومنعنا التقدم أن يخطو بنا مجرد خطوة، وشرعنا مداخلنا للعدو والغريب، وكان لزاماً أن يدعى الجميع الجنون، عالم الجنون المتخيل هي الأكمة المختارة للتواري خلفها ورمي الحجارة عن بعد، لسنا هنا نسأل الجاحظ عن تعليل، أو البحث في مراتب الجنون عند الثعالبي أو موردات ابن الجوزي.. لكنه الادعاء في مواجهة سلطة التغول والتي بات لها وجوه وأشكال هي الأخرى تتوارى خلفها، فلعبة التواري باتت لعبة هذا الزمن بين الحكومات الاستبدادية والشعب المرتجف خوفا على الأبرياء المطحونين بين حجري رحى ضخمين

والزمن العربي الرديء يأخذنا إلى مظاهر الوطن الذي بات سجنا مطوقا في فضاء محدود، أمته تزاول رضاعة حليب الصبر من ثدي العجز، أمة علمتها النوائب على التأقلم مع كل النكبات والمصاعب، علمتها اجتياز العقبات والهفوات في آن معا وبلورة الرؤى والسلوك، تماما كنهاية عرف بدوي بتعليق مصير بين الحل والاحلال إلى الموت وكلاهما ينتهي إلى ذات المصير.. نحن أمة قضت مئات السنين تبحث عمن يردها لثبات العقل وطيوف المجد، لكنها دون أن تشعر كانت تتواطأ مع أنظمة شيطنتها مسرحيات التغريب، ألقوا من ورائهم ذاكرة التاريخ وانخرطوا بتشويه تاريخهم على ايقاع ترنيمة فرضتها أبواق المستعمرين

هكذا غدا عالم العرب.. تماما مثلما أرادت له قوى الغرب المتسلطة والسليطة، رجلا مريضا واهن القوى وخرب العقل والذاكرة، موهوم بكل الموبقات، يعيش بين جدران الوهم محاصرًا بأوهام المطوقين بأخيلة رتيبة تعلق وجودهم على لوح الموت البطيء، كمن يقبر روحه لينهي جسده المسكون بالانحطاط

يصعب على أي مثقف أن يحرك أدواته ضد التيارات الجارفة أملا بالخروج من عنق الزجاجة، فعنق الزجاجة بات أضيق من أن تتسرب عبره الأشياء، وأوهن من أن يقوى على التماسك أمام صعوبة الاجهاض، حتى باتت الهوية العربية متهمة بحقيقة وجودها رغم عظم تعددها، وما العدد في حسبة من تولوا العداء للانسانية وهم يمثلون دورها، فأخذوا على عاتقهم مسح الجنس واللون والأصول حتى لو تعدى تعدادها المليارات، إنهم هولاكو العصر الجارف والمدمر، يتمثلون الحضارة وليس منها غير زخرف بسيط للاستعمال الحصري

وهكذا بات العربي زيفا وبهتانا يحمل كل الصفات والتسميات السلبية، خلعوا عليه كل الألقاب المقيتة، حتى بدا مخلوقا غريبا آتيا من أقصى الذاكرة الانسانية المتخلفة عن ركب الحضارة.. بات العربي لغزاً محيراً مثيراً للاشمئزاز لدرجة عدم استحقاقيته للشفقة، حتى حكامهم الذين مارسوا عليهم القمع والاستبداد رأوا فيهم جرذان وحشرات وأقزام.. في خضم هذا الوجود انقلبت رؤية العربي لذاته فصار هو الآخر ينعت نفسه بكل النعوت، مما وضعه بمتاهة وجودية مستغرقة بإشكاليات التأويل.. عالم من الهذيان وأبطال كرتونية في متخيل مسرحي ثرثار، تتدارى مشاهده داخل خبايا وأسرار تكسرت ألوف المرات على نخوة هوجاء، عالم ملئ بالتناقضات والاندحارات والانكسارات، عالم من العبيد والحرية الموهومة

أمة تتناهشها الصقور والغربان، تتقطع نتفاً وأجزاءًا في حجم المدن العارية من الكيانات، أدوات التقسيم باتت تباع على قارعة طريق مغلق الجانب لا يعبر بماريه إلا باتجاه مرعب مسدود مثير للذعر، أمام عيون مشتعلة بمطامعها تحملق به باشتهاء مرعب، لها أنياب حادة تبرز عن حدود كل النذالات.... ويتساءلون لمَ الموت عندنا مُشتهى ولم هو عبور لجنان الوعد الغائبة خلف التصور المحسوس

العالم اليوم يلعب لعبة القوة بلا قيم أو ضوابط انسانية حقيقية.. منقسماً بين جانب متقدم علميا قوي جداً عسكرياً واقتصادياً، متخذاً موقع المركز قاعدة لاتكائه ومثلاً يحتذى، رغم أن هذا المركز جائر جداً بالحسبة الانسانية يعتمد مصالحه الأولى قبل أي شيء، معتمداً على قوته الذاتية، يملك احساس الفوقية ومستعد أن يسحق الأرض والانسان بلا رحمة، وجانب آخر متخلف علميًا واقتصادياً واجتماعياً، متشبث بأوهام المخذولين والمتخاذلين، تم التسلط عليه وخلق انهياراته المتراكمة، لاغراقه بالاندحارات حد اليأس التام، سرعان ما تتلاعب به الأيدي المخربة لتدفعه إلى خلق فوضى ترجعه إلى مبتدأ الخلق، ونظرة أمل ضعيفة تنبعث من وهم آخر أقل ضعفاً يعاني عنت ضعف قدراته بإعادة القطار على سكته يوما ما.

تساوى في عرف الغرب المتعجرف ضآلة الحجم العربي من حيث التقدم الحضاري، وكفاءته كإنسان فاعل ومدى تأثيره الايجابي على العالم، فاختلق له المسميات الدونية، عالم ثالث، ودول نامية، ودول التخلف، وربما تناولوا فيما بينهم مسمى الدول النائمة.. وهناك سؤال يفز من قمقم الوجود.. لماذا تتخلف أمة تدوس بأقدامها غطاءا رمليا بسيطاً لبحر من النفط ومن الموارد الطبيعية المهمة، كما تملك النسبة الأعظم من الطاقة البشرية الشابة والأيدي العاملة الخبيرة، والأراضي الشاسعة المتنوعة التضاريس والأجواء.... فيما دويلات صغيرة قليلة المساحة أراضيها تغطيها الثلوج غالبية العام، ونسبة سكانها الأكبر هم من الفئة العمرية المتقدمة بالسن ومواردها الطبيعية تكاد تنعدم ومن ذلك انتقلت إلى مصاف الدول المتقدمة حضارياً... هذا يمنحنا رؤية واضحة لأبعاد حقيقة مؤلمة يعيشها الانسان العربي بصبر عجيب وخنوع ذليل.. هو واقع التخلف الاداري

الشعوب العربية عانت مرضا عضالا نخر في جسمها وخرب هيئتها، مرضا يبقيها في حالة الشيخوخة المهيضة والضعف العام والعطاء التقليدي المحدود، إنسانه محدود العقل والعطاء فاقد للأهلية بسبب قيادات غير مؤهلة فالمعروف أن فشل العمل في أي مؤسسة هو من فشل الإدارة نفسها، فشل الادارة يفسر على أنه مصادرة لأحلام وطاقات وتطلعات الأجيال الشابة المتطلعة للابداع والنجاح.. انها مقابلة خاسرة بين جيل السلاحف الزاحفة وجيل الغزلان المتقافزة، صدمة حضارية تعيد مشهدها في كل جيل، صدمة انفجارية لها صوت هائل وعظيم ومع ذلك لا تهز كراسي الرابضين على القمم

عدم تفهم جيل السلاحف لطاقات وابداعات جيل الغزلان المقبل على الحياة بالطاقة الفطرية الاندفاعية والقوة الكامنة والاحلام الطائرة يدفع به للسقوط السريع والاكتئاب القبيح والاحباط المريع

المال في الدول والحكومات هو بالعادة آلة رافعة للحضارة تمنح قوة الدفع الكبرى نحو التقدم الحضاري والعلمي والاقتصادي وبالتالي يرفع قيمة دخل الافراد.. لكنه في الدول العربية نقمة تغذي التخلف المتجذرة وحسرة تقود إلى حسرة، وبالغالب كثيرا ما يغرق العرب بالذات في مستنقع المركزية الذاتية المؤدية باتجاه الفرقة المجتمعية ووجود طبقات اجتماعية متفاوتة المستوى بسبب سياسة تشغيلية غير حكيمة تفهم الحقيقة على غير صورتها المثلى، وعلى رغم مرور قرن من الزمن على تملك ثروة النفط ما زال العرب يرزحون تحت نير التخلف العلمي والحضاري فيما يعيش بعض أفراده برفاهية خيالية تفوق التصور، وما زال العرب يفتقدون الصناعات الكبيرة والمنتجة والمؤدية إلى القوة!

وبالنهاية نتساءل من جديد، ونتساءل أبداً، ونحن ما زلنا نثاقل الخطى باتجاه الامعان بالتخلف أكثر وأكثر، وتنبعث من دولنا الغراء أبخرة الحروب الأهلية والممارسات المتخلفة العجيبة، فيما نحن نعيش عالماً من القلق العصيب والخوف البليد...

هل العرب يحملون جينات التخلف الفطري فيتناقلونه جيل عن جيل ويبثونه غذاءا للأجيال اللاحقة منهم؟؟

علينا الانتباه أن هناك حالة واضحة من الشعور المنقوص نحو الذاتية متجذرة بالطبيعة العربية، وبأن العرب حالة ميؤوس منها يجري بها التردي باطراد غريب، ومن المستحيل أبدا أن تنهض بالصورة المرجوة حتى وإن منحت حقنة الانعاش الأقوى، فالعضلة به ميتة تماما، والنبض وهن، والأنفاس بالكاد تتسلل إلى الرئة، تعاني تشويها خلقيا مزريا، حتى العمليات التصحيحية لا يمكنها أن تصحح بها العطب وتقوم بها الإعوجاج

نحن في زمن كثر فيه اللاعبون المؤثرون بقوة، والضاربون على طبول التحرك بالخطوات الرصينة على قارعة الحضارة السائرة بهمة نحو التقدم، وعلى القيادات العربية أن تعي معنى اللاعبين عبر الحدود، المغيرون الحقيقيون نحو المستقبل، عوامل كثيرة تدير العمل متحدية الصعاب، وعوامل قوية أدت إلى سقوط نوعي للسلطة بالبلاد العربية رغم كل القوة الخشنة المتبعة... فإلى أي الاتجاهات ما زالت تسير أمة العرب؟


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 24 مارس 2017 .

التعليقات

نور منذ 6 سنة
لنا الله!!
1
hiyam damra
ولنا العقل الذي ميزنا به الله.. أشكر مروركم وتوقيعكم

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا