لا أحد يجهل قصة هابيل و قابيل المذكورة في الموروث القرأني و هي أن آدم و حواء أنجبا أخوان أحدهما هابيل الذي تميز بطيبة القلب و تمكن من أن يصبح صيادًا ماهرًا، وثانيهما كان على خُلق قاسٍ و صارم و لكنه استطاع أن ينجح في الفلاحة؛ ليصبح مزارعًا بارعًا و هو قابيل و تُبين الآيات القرآنية أنَّ في أحد الأيام قرر الأخوان أنْ يتقربا لله بأضاحٍ و قرابين من ثمار عملهما، فأومأت الذات الإلهية بقبول قربان هابيل و تفضيله على قربان قابيل يقول عز وجل : " فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الآخر ". فعل تفضيل أحدهما على الآخر أثار قابيل ؛ فَكَرِه أخاه، و قام عليه فقتله و اخفى جريمته ، إلا أن الذات التي لا تُخفى عليها خافية عرفت بالأمر ، فاستجوبته بالسؤال الصارم : " يا قابيل أين أخوك هابيل ؟". و الحقيقة عندما أتأمل هذه المعلومات البسيطة جدا عن حياة الأخوين تخطر ببالي أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابات حتى الآن على الأقل، فكثيرا ما سألت نفسي عن سبب تفضيل قربان أحدهما ، و هل قسوة قابيل هي التي جعلت من الله ألا يتقبل قربانه؟ إن كان قابيل هو الجاني الظالم فلماذا نطلقه على أسماء أبنائنا ؟، و ماذا كان سيصنع قابيل لو أن الله تقبل منه قربانه ؟ و لو تغير الأمر قليلا كأن يتقبل الله من الاثنين هل كان سيتغير وجه التاريخ تماما ؟ لماذا لا أجد من يحدثني عن هذا ؟

ربما عدم وجود معلومات كافية هي من جعلت سيادة اعتقاد  الإنسان القديم  بأن فِعْل قابيل هو الذي وضع حجر الأساس للحسد و القتل و الحروب و الدمار .

قبل شهور ليست ببعيدةٍ قرأت كتابًا أدبيا يسرد بعض الحكايا الشعبية القديمة ، وكان من ضمن هذه الحكايات " حياة قابيل و هابيل " و لكن من منظور روسي هذه المرة، كانت قد عرضتهم بملامح أسطورية و بأصول سامية شرق أوسطية، جعلت منهما بطلين نقيضين أخوين، ابنيّ السلف الأول " أدم" تقول الحكاية أن القاتل الأول على الأرض رفض أن يرضع حليب الأم عند الميلاد، فخاف الأبوان على طفليهما ... فظهر لهما الشيطان على هيئة مسخ عابر سبيل ؛ لينصحهمابدهن شفتي الطفل بدم معزة سوداء؛ أي بدم الحيوان الذي يجسد العداء للأصل البشري ... أخذ الأبوان بالنصيحة فرضع الطفل الثدي، وكبر قوي الجسم، صحيح البنية ولكنه ترعرع شريرا أيضا ... فانتهى به المطاف لقتل أخيه، هذه الرواية غير مذكورة في القرآن الكريم ، لكن الروس استطاعوا سردها حسب ما تم تناقله من الكتب المقدسة كالإنجيل أو التوراة ، ولا نستطيع أن نحكم على الرواية بالكذب أو عدم صحتها ؛ لكونها تميل إلى السرد الأسطوري الغربي ، لكنك إن عدت معي إلى السير العربية الإسلامية سنجد شخصية مشهورة و معروفة في التاريخ العربي لا نستطيع تكذيب ما جاء فيها تشبه إلى حدٍ ما قصة قابيل و قصة إيفان الراهب عند العالم الغربي ،وهي " الحجاج بن يوسف الثقفي " الذي شغل منصب والي العراق ، بقي الحجاج في الذاكرة العربية تجسيدا و مضربا للأمثال لقساوة الحاكم و دمويته ـ و في نفس الوقت ـ مثالا للسياسي الموهوب و القائد البارع تماما ... تقول السيرة أن الحجاج رفض عند الميلاد أن يرضع حليب أمه ... فجاء الشيطان في صورة بشرية و اقترح على أبويه أن يرضع بدم جدي أسود؛ لهذا السبب تقول السيرة أنه أصبح متعطشا للدماء عندما كبر و تولى الحكم ، وتستطيع أن تربط وراثيا و جينيا بين الابن و الأب الأول .

وبعد كل تلك التساؤلات و القصص أتخيل أن كل ما يحدث في عالمنا العربي المريض ما هو إلى نبوءة قديمة اكتسبناها من أبينا الأول قابيل ، وربما أن حكامنا العرب لهم قصصا مشابهة في طفولتهم ، فتمثل لهم الشيطان وأوصاهم بأن يرضعوا من دماء شعوبهم ـ شعوب ـ تدفع ثمن صراعات لا ذنب لهم بها، غير أنهم و في كل مرة حاولوا لمرة واحدة أن يرسموا " بلادا تُسمى مجازا بلاد العرب " لكنهم وقعوا تحت أيدي حكاما عرب متحدون مع عالم يخلو من الرحمة أو السلام ، متخذين من أبيهم قابيل " طوطم "؛ ليصعدوا على أشلاء شعوبهم ، لا أن يلتزموا ببسط ظل الحماية على جماعاتهم و نجدتهم في ساعة الخطر ، بل أذاقوهم لباس الخوف و الجوع و تفتيت لحومهم بالحروب الأهلية و المذهبية و انتهاك حقوقهم و موالاة أعدائهم عليهم و انقلابهم على أحلام شعوبهم، و تحويل عوالمهم إلى عوالم افتراضية الحقيقة الوحيدة فيها وجود برك الدماء المنغمسين بها .

وحتى هذه اللحظة لا نعلم متى "سنصعد من هاوية أنفسنا ؟ و متى " سيحينا الله من بين الهابطين في الجب ؟ أم أننا هبطنا و انتهى الأمر ؟ .